احتجاجات فرنسا.. بين سياسة التهميش و عنصرية النخب السياسية وعنف الشرطة : بقلم عادل بن الحبيب

alt=

الصحراء واحد

احتجاجات فرنسا.. بين سياسة التهميش و عنصرية النخب السياسية وعنف الشرطة.
بقلم عادل بن الحبيب

“لا سلام دون عدل!”، يلخص هذا الشعار، الذي ردده المشاركون في المسيرة التضامنية مع قضية الشاب نائل، الذي أطلق عليه شرطي مرور النار من مسافة سنتيمترات قليلة وأرداه قتيلاً، روح الانتفاضة الجارية حالياً في فرنسا، وهو ترجمة لشعور باختلال كبير في ميزان العدالة الاجتماعية الذي أصبح عابراً لأطياف المجتمع الفرنسي بأغلبيتها في ظل حكم الرئيس إيمانويل ماكرون، والذي تفاقم بعد انتخابه لولاية ثانية في ربيع 2022.

حيث أسهمت سياسة الدولة الفرنسية، القائمة على التهميش والإقصاء وتجميع الأجانب في مناطق بعينها، في إنتاج جيل حاقد مستلب الهوية، يعتبر فرنسا عدواً أولاً له ويقتنص الفرص للانتقام منها. مشهد التخريب والسلب في قلب باريس المسماة بعاصمة النور الذي رافق احتجاجات الضواحي ، شهادة واضحة بفشل فرنسا الذريع في سياسة الدمج القسري تجاه الأقلية المسلمة العربية في البلاد وخاصة الجيل الثاني من المهاجرين جيل لم تستوعبهم فرنسا العلمانية، فظلوا يتعرضون للتمييز والاضطهاد حتى ولو خلعوا الحجاب والتزموا بالقيود المفروضة على حرياتهم الدينية، وحتى لو مات آباؤهم من أجل تحرير فرنسا من النازية، أو كما قال سياسي فرنسي من أصول عربية إنها “فرنسا التي نحبها ولا تحبنا”و “مهما قدَّمت من تضحيات أنت لست فرنسياً”.

عنصرية الشرطة الفرنسية هو جانب من ظاهرة العنصرية التي تنخر المجتع الفرنسي، وهي عنصرية لم تأت من فراع، فهناك تقارير فرنسية واممية كشفت عن تورط زعماء سياسيين فرنسيين ورؤساء احزاب ونخب سياسة واعلامية وصحفية يمينية، في تأجيج العنصرية وكراهية غير الاوروبيين، من عرب ومسلمين وملونين، في المجتمع الفرنسي، فالأرقام والمعطيات الموثقة، تثبت وجود ارتباط وثيق ما بين ارتفاع وتيرة الاعتداءات ضد المسلمين واللاجئين والملونين، وبين تزايد وتيرة الخطاب العنصري لهذه النخب الفرنسية

قد تختلف انتفاضة صيف 2023 في فرنسا عن انتفاضة الضواحي في 2005 التي جرت بُعيد مقتل المراهقين، زياد وبونا بسبب ملاحقة الشرطة لهما. الانتفاضة الجارية حالياً ليست انتفاضة يتيمة سياسياً، أو معزولة عن باقي فئات المجتمع الفرنسي، إنّ ما يميز الانتفاضة الحالية عن تلك التي سبقتها هو أنها تشكل نقطة تلاقٍ بين “بؤساء” في المجتمع الفرنسي، وتقاطع بين نضالات اجتماعية وسياسية مختلفة، منها ضد عنف الشرطة، ومنها ضد العنصرية والإسلاموفوبيا، و منعا ضد التهميش و وأغلبها معيشية، وكلها تدور حول فكرة أساسية قوامها ،كفى عجرفة في التعاطي السياسي والأمني مع قضايا الأقلية العربية و المسلمة .

والحقيقة أن الانتقادات بحق سياسة فرنسا تجاه مسلميها ليست صادرة فقط من مصادر عربية أو إسلامية بل صدرت كذلك من دول ومنظمات حقوقية وتجمعات دولية عدة.
فلقد سبق أن انتقدت برقيات دبلوماسية صادرة عن السفارة الأمريكية في العاصمة الفرنسية باريس نشرها موقع ويكيليس، ما سمته إقصاء المواطنين المسلمين في فرنسا، معتبرة أنه قد يضعف البلاد ويحولها إلى “حليف أقل نجاعة” للولايات المتحدة.
كما وجهت عدة دول، في مايو2023، انتقادات إلى فرنسا، بشأن قضايا مرتبطة بهجمات ضد مهاجرين وتنميط عنصري، إضافة إلى عنف الشرطة، كما دعتها لمراجعة قوانينها بخصوص حرية اللباس للمرأة المسلمة، في إشارة إلى منع الحجاب وتغطية الوجه، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية. كما اعتبر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، خلال اجتماع للنظر في سجل فرنسا على صعيد الحقوق والحريات، أن باريس مطالبة ببذل المزيد من الجهود لمحاربة مجموعة من السلوكيات والظواهر المنافية لروح حقوق الإنسان. كما طلبت الأمم المتحدة من فرنسا معالجة مشاكل العنصرية والتمييز العنصري في صفوف قوات الأمن .

أما الرئيس ماكرون، فيبدو كالمعزول عن الواقع في برجه العاجي، ليس لديه إلا الحل الأمني لكل ما يحصل، وذلك بدل معالجة الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية للغضب، فهو يتهرب مع بعض أجهزته الحكومية من تحمل مسؤولياتهم فيما يجري عبر إلقائها تارة على أهل المنتفضين، وتارة عبر اتهام اليسار وبعض نجوم الفن أو كرة القدم الذين عبروا عن تضامنهم مع قضية ناهل، وتارة عبر تحميل المسؤولية لـ… ألعاب الفيديو!

وكأنّ كل ما يفعله ماكرون هو التمهيد، ولو ربما من حيث لا يريد، لوصول اليمين المتطرف للسلطة، بعد انتهاء ولايته الثانية. فبعد أن نال حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف ما يقارب التسعين مقعداً في الجمعية الوطنية الفرنسية في الانتخابات النيابية الأخيرة (2022)، أي بعد انتهاء الولاية الأولى لماكرون، وذلك في سابقة في تاريخ الجمهورية الفرنسية، لم تكن يوماً رئيسة هذا الحزب، مارين لوبان، أقرب إلى أبواب الإليزيه أكثر مما هي عليه اليوم، في بداية الولاية الرئاسية الثانية لماكرون.

Exit mobile version