الصحراء واحد
كلمة السيد نور الدين مفتاح رئيس فيدرالية ناشري الصحف على هامش المؤتمر الوطني العاشر، وفيما يلي نص الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدات السادة ضيوف الفيدرالية
السيدات والسادة الأعضاء
يطيب لي أن أرحب بكم في هذه المحطة الدالة من محطاتنا التنظيمية التي حرصنا فيها على أن تحترم موعدها القانوني بالضبط لتكون عرسا ديموقراطيا قولا وفعلا،
وهكذا تعقد الفيدرالية المغربية لناشري الصحف مؤتمرها الوطني العاشر في ظروف استثنائية بكل المقاييس، فالصحافة الوطنية ما تزال تجتر آثار أزمة الجائحة، مما عمق هشاشة النموذج الاقتصادي للمنشآت الصحافية وأثر على الأوضاع الاجتماعية للعاملين بها، وهذا انعكس على الأداء المهني لهذه الصحافة بصفة عامة، ورفع أسهم التحلل من المبادئ الأخلاقية، وزاد الهوة بين الإعلام الوطني والمجتمع، وانضاف إلى هذه اللوحة القاتمة التشرذم التنظيمي الذي عرفه القطاع مما يجعلنا اليوم أمام آفاق تكاد تكون مسدودة.
السيدات والسادة الأكارم، لقد عملت الفيدرالية المغربية لناشري منذ 21 سنة، وعلى عهد أربعة رؤساء، على أن تكون شريكا جدياً في مجهود إصلاح قطاع حساس يتجاوز دوره الاقتصادي ليكون جزءا لا يتجزأ من البناء الديموقراطي في بلادنا، وجعلت من النضال من أجل حرية الصحافة زاوية ارتكاز لها، واعتبرت أن المنشأة الصحافية ليست مؤسسة تجارية للربح، ولكنها خدمة عمومية يقوم بها الخواص، وظلت الفيدرالية قوة اقتراحية وازنة، ووقعت على العقد البرنامج الأول مع السلطات العمومية سنة 2005 وعلى الاتفاقية الجماعية التي ما تزال سارية المفعول إلى الآن، وخاضت مفاوضات ماراطونية طيلة سنوات من أجل إخراج منظومة قانونية ضامنة للحرية وموازنة لها بمسؤولية مجتمعية، ومنظمة لمهنة حساسة هي مرآة لحرية التعبير، ويجب أن تكون مفتوحة من جهة، وهي أداة للرقابة والإخبار يجب أن يحمل مشعلها المؤهلون لذلك حتى لا تصبح مهنة لا مهنة له.
لقد كانت للمحطات المشرقة لهذا التنظيم المهني المسؤول بصمات لا ينكرها إلا جاحد، وهي موجودة في الدستور وفي مدونة الصحافة وفي العقد البرنامج والاتفاقية الجماعية وفي منظومة الدعم العمومي وفي مؤسسة التنظيم الذاتي، إلا أن حرارة الجائحة التي ضربت في بداية سنة 2020، والقرار المؤسف للسلطات العمومية بوقف طبع الصحف لما يزيد عن 3 أشهر، جعل جزءا من زملائنا يفضلون تأسيس تنظيم ثان، وقد كان هذا جوابا على الأزمة لم يزد إلا من تعميقها على الرغم من أن التعددية حق وخيار للمملكة المغربية منذ استقلالها.
ومنذ جمعها العام الاستثنائي في 3 يوليوز 2020، لم تتردد الفيدرالية في التعبير عن انشغالها بآثار التشرذم على أوضاع مهنة تحتضر، وجعلت من اليد الممدودة للزملاء والشركاء خطا استراتيجيا في عملها، وظلت شريكة في الحلول الاستثنائية للأزمة رغم تحفظاتها على معاييرها في ما يتعلق بصيغة دفع الحكومة لأجور الصحافيين والعاملين بالمؤسسات الصحافية بشكل مباشر، وشاركت في اللقاءات التشاورية التي نظمتها السلطات العمومية المكلفة بالقطاع أو التي نظمها البرلمان ولكن، سارت الأمور في النهاية في نفس الاتجاه الذي انطلق مع الانشقاق التنظيمي، وتواصلت عملية إنتاج الأجوبة الخاطئة على الأسئلة الحارقة.
وهكذا تحول تدبير استحقاق عادي لتجديد هياكل المجلس الوطني للصحافة بإجراء انتخابات في موعدها إلى مسلسل سوريالي، بحيث تم التمديد في البداية لهذا المجلس لمدة ستة أشهر بدعوى إعطائه الوقت لتنظيم انتخاباته، وفي نهاية هذا الموعد، تم ابتداع مشروع لجنة مؤقتة لتسيير شؤون الصحافة أعطيت لها جميع صلاحيات المجلس المنتهية ولايته، زائد مهام إيجاد تصور جديد للقطاع والإشراف على الانتخابات بعد انصرام سنتين كاملتين، مع التخلي عن كل أعضاء المجلس باستثناء المنتمين لتنظيمين معينين هما اللذان كانا مع هذه التخريجة التي أجمع الرأي العام المهني والخبراء النزيهون على عدم دستوريتها ولا قانونيتها.
وتعمق هذا المنحى الإقصائي برعاية اتفاق اجتماعي بين طرفين ومحاولة فرضه على الجميع رغم أن مضمونه معيب وشكله يضرب لأول مرّة منذ عشرين عاما المقاربة التشاركية التي ظلت راسخة بين الشركاء في هذا الملف. وهذه المقاربة زادت من الصدامات، وعمقت الجراح، وأججت نار الفرقة، مما جعل موضوع المهنة يزيغ إلى الهوامش التنظيمية والتنابزية، ويترك الأهم وهو الصحافة كصحافة وكوظيفة لتلبية حق المواطن في إعلام مستقل ونزيه وحر ومسؤول.
لقد نددت الفيدرالية وشركاؤها في القيم المهنية الصادقة بهذا الانجراف نحو هاوية تبدو للبعض أنها الخلاص، ولكنها كانت اختيارات مُرّة لم يخفف من وطأتها إلا رد الفعل المجتمعي الواسع الرافض لما اعتبره ضد مطامحه المشروعة في التدبير الديموقراطي لقطاع هو جزء من مقياس نبض الديموقراطية.
إننا بهكذا اختيارات، واصلنا جر الأزمة من أرجلها، وها هي كلمة التفاهة هي العليا، بل أصبح خرق أخلاقيات المهنة بشكل فاضح لدى البعض أصل تجاري، وانهار قطاع التوزيع أو يكاد، وانهارت مبيعات الصحف لتتجاوز 70٪ من التراجع، وفقدت الصحافة لصالح قنوات أخرى ثلثي رقم معاملاتها من الإعلانات التجارية، والأخطر هو أن جسر الثقة زاد تصدعا بين الصحافة ومجتمع لم يعد يرى منها إلا الصراع حول الدعم، والأنانيات وصرف الجهد في البديهيات والتخلي عن الأدوار الحقيقية لحملة هذه الرسالة، وعلى رأسها النقد والمساءلة والرقابة على مدبري الشأن العام.
ورغم كل هذا، وطيلة عشرين عاما، لم يكن في قاموس الفيدرالية المغربية لناشري الصحف مكان لكلمة يأس، وهذا دأبها لحد الآن، فالنضال من أجل صحافة جادة وحرّة ليس طريقا مفروشا بالورود، بل إنه التزام وتضحية في رحاب الأمل. وقد عاشت الفيدرالية بعد مؤتمرها الاستثنائي لسنة 2020 أقوى فتراتها التنظيمية، ونزلت برسالتها إلى الجهات العزيزة، فتجاوبت مع توجهها الأغلبية الساحقة من الناشرين والناشرات في كل الجهات، من الداخلة وادي الذهب إلى العيون الساقية الحمراء إلى كلميم واد نون إلى سوس ماسة إلى مراكش آسفي إلى فاس مكناس إلى جهة الشرق إلى طنجة تطوان الحسيمة إلى بني ملال خنيفرة إلى درعة تافيلالت، وإلى أقاليم القنيطرة سيدي سليمان وسيدي قاسم، وهذا هو العزاء الأكبر في هذا الدمار الذي يحيط بمهنتنا من كل جانب.
السيدات والسادة الفضلاء، إن مستقبل الصحافة المغربية يوجد في المركز وفي المغرب العميق، وبالصحافة الوطنية والجهوية يمكن أن نبني بديلا لما زلزلته هذه الأزمة وسوء التدبير الذي طال العديد من ملفاتها الحساسة.
إن هذا الواقع الذي لا يرتفع ينطبق عليه ما عبر عنه المفكر الإيطالي غرامشي عندما تحدث عن تشاؤم الواقع وتفاؤل الإرادة! نعم إرادة الفيدراليين والفيدراليات اليوم أقوى من التحديات، والمستقبل لصحافة مرفوعة الرأس في مغرب شامخ، وإن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته