مهمة دي ميستورا المستحيلة .. بقلم : دـ الشيخ بوسعيد باحث في القانون العام

alt=

الصحراء واحد

ـ مهمة دي ميستورا المستحيلة ..

بقلم : دـ الشيخ بوسعيد، باحث في القانون العام


من المرتقب أن يحل المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة، السيد ستيفان دي ميستورا بالعاصمة المغربية الرباط نهاية الأسبوع الجاري للتباحث مع المسؤولين المركزيين حول ملف الصحراء، قبيل الزيارة المقررة لمدينة العيون، بداية الأسبوع المقبل عاصمة الإقليم المتنازع عليه بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، وعقد لقاءات مع السلطات المحلية، المنتخبين، وفعاليات المجتمع المدني. والتي جرى العرف عليها في كل زيارة للمبعوثين الأمميين السابقين. وذلك في مستهل جولة تقوده للمنطقة والتوجه الى تندوف، ثم الى الجزائر العاصمة من اجل إيجاد حل سلمي وتوافقي لقضية الصحراء. إذن ماهي دوافع التحركات الأمريكية الأخيرة بالمنطقة ؟ وهل سينجح المبعوث الاممي دي ميستورا في تخطي الصعاب والتحديات التي تعرقل إيجاد حل دائم لملف الصحراء؟ أم سيكون مصيره كسابقيه من المبعوثين الامميين الذين فشلوا في التوصل الى حل نهائي لقضية الصحراء؟
أولاـ خلفيات تزامن زيارة الوفد الأمريكي للمنطقة مع جولة دي ميستورا.
في الوقت الذي يستعد فيه المبعوث الاممي “دي ميستورا” لجولة تقوده للمنطقة، يقوم وفد أمريكي بالتزامن، بزيارة لتندوف يرأسه السيد “جوشوا هاريس” للقاء قيادة جبهة البوليساريو، ثم يتوجه بعد ذلك للجزائر، وكانت السيدة “بربرا ليف”مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى قد زارت المغرب في وقت سابق. وكانت الخارجية الأمريكية قد أصدرت بيانا مؤخرا، يفيد بأن نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون شمال إفريقيا جوشوا هاريس، الذي يقوم بزيارة الى مخيمات تندوف. قد شدد على أهمية الدعم الكامل والمشاركة مع المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، بروح الواقعية والتسوية لتحقيق حل دائم لقضية الصحراء. وأشار أيضا البلاغ الى: “أن المسؤول الأمريكي يقوم بزيارة لمخيمات تندوف للتشاور مع مجموعة من أصحاب المصلحة، بما في ذلك إبراهيم غالي وكبار المسؤولين بجبهة البوليساريو، بالإضافة الى مسؤولي وكالات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية وشركائنا الإنسانيين”. وفي سياق متصل، قال رئيس جبهة البوليساريو” إبراهيم غالي” أن: الدعم الحقيقي والعملي لجهود المبعوث الشخصي، يستلزم وجوبا خلق الظروف اللازمة لتمكين بعثة المينورسو من أداء مهامها التي كلفها بها مجلس الأمن الدولي، طبقا لخطة التسوية الأممية الإفريقية لسنة 1991″. وأضاف أيضا: “أن الدخول في متاهة المصطلحات الفضفاضة من قبيل الواقعية، لن يقود إلا الى حالة الجمود، وبالتالي تقليص فرص التوصل للحل السلمي الدائم، وزيادة حدة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة”.
يمكن تفسير كلام رئيس جبهة البوليساريو، بأنه فيه نوع من اليأس والإحباط من بلاغ الخارجية الأمريكية، رغم أن واشنطن كان بإمكانها المساهمة في حل نهائي للمشكل الذي طال أمده من خلال تعاقب مبعوثين أمريكيين محنكين ومخضرمين من طينة جيمس بيكر و روس على قضية الصحراء، لكن الإدارات الأمريكية لا تريد فرض حل في الوقت الراهن ولديها مصالح فهناك من يرى بأن الموقف الأمريكي من قضية الصحراء غير مفهوم، ومتذبذب، ومنحاز للموقف المغربي منذ بداية الصراع، رغم وجود اختلاف كبير بين الديمقراطيين والجمهوريين في توجيه السياسة الخارجية، وتباين مواقفهم السياسية ومصالحهم، بالإضافة الى تأثير اللوبي اليهودي الأمريكي الموالي للمغرب في دواليب صنع القرار السياسي، وخاصة “منظمة ايباك” في تقوية كفة مصالح المغرب وخاصة المبادرة المغربية للحكم الذاتي المعلنة سنة 2007، وهو ما يظهر جليا من خلال إعلان جبهة البوليساريو العودة للحرب السنة الماضية، وهو ما أكدته تقارير الأمم المتحدة، وتعمل بين الفينة والأخرى على إصدار بيانات عسكرية مرقمة بشكل يومي، رغم تقليل بعض الخبراء المغاربة من شأنها، معتبرين مزاعم العمليات العسكرية لجبهة البوليساريو، لا تعدو كونها عمليات نوعية بسيطة لا تشكل خطورة على التراب المغربي وأمنه العام، وأن الدرون المغربي حسم الأمر، وساهم بشكل كبير في الحد من خطورة التحركات والعمليات العسكرية لجبهة البوليساريو.
يمكن القول، بان التحركات الأمريكية الأخيرة جاءت نتيجة تنسيق بين المسؤولين الأمريكيين، والمبعوث الاممي للصحراء ستيفان دي ميستورا قبل صدور تقرير الأمين العام أواخر شهر أكتوبر، والذي غالبا سيمدد لبعثة المينورسو سنة إضافية أخرى، والذي ستقوم الدبلوماسية الأمريكية بإعداد مسودة القرار المتعلق بقضية الصحراء، كما كان في السابق، حيث أنها تترأس دول أصدقاء الصحراء، ومشغولة أيضا بأمور رئيسية، كالحرب في أوكرانيا والوضع بجزيرة القرم، والتنافس الصيني والروسي لها على مناطق النفوذ حول العالم في ظل نظام دولي مضطرب، متعدد الأقطاب، ويعج بالحروب والأزمات الدولية.
ثانياـ هل ستنجح وساطة المبعوث الأممي دي ميستورا في تقريب وجهة نظر أطراف الصراع والبحث عن حلول للطي النهائي لملف الصحراء ؟
سيقوم المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة الى الصحراء، ستيفان دي ميستورا بزيارة مرتقبة بحر الأسبوع المقبل، بجولة جديدة الى المنطقة، ويشمل برنامج الزيارة مدينة العيون، كبرى حواضر الإقليم المتنازع عليه، حيث سيقدم المبعوث الأممي تقريرا الى أعضاء مجلس الأمن الدولي شهر أكتوبر المقبل حول الوضع في منطقة الصحراء.
ومنذ توليه منصبه في الأول من نوفمبر من عام 2021، زار دي ميستورا المغرب مرتين، في شهري يناير ويوليو من سنة 2022، لكن دون التوجه الى مدن الصحراء كما تطالب جبهة البوليساريو، وتعود آخر جولة للمبعوث الأممي الى المنطقة، كانت شهري يوليو وسبتمبر سنة 2022، أولا الى المغرب، ثم الى الجزائر، موريتانيا وتندوف، وكانت الأمم المتحدة قد صرحت في منتصف شهر غشت الماضي بأن: “ستيفان دي ميستورا يتشاور بشكل مكثف مع جميع الإطراف المعنية للتوصل الى حل سياسي للصحراء”. وكان دي ميستورا مبعوثا سابقا للأمم المتحدة الخاص بالأزمة السورية، خلفا للدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي قبل أن يستقيل بعد ذلك من منصبه لظروف عائلية، ويتم تعيينه بعد ذلك مبعوثا أمميا لقضية الصحراء.
فهناك من يرى بأن مهمة دي ميستورا في قضية الصحراء ستكون مستحيلة، ومحكوم عليها مسبقا بالفشل الذريع ، شأنه كسابقيه من المبعوثين الأميين بما فيهم “بيكر” و”روس”، بالإضافة الى كونهم شخصيات دبلوماسية أمريكية مرموقة، ومشهود لهم بالكفاءة وأكثر قوة وعطاء ولديهم ضمانات أمريكية ودولية لهامش التحرك من المبعوث الحالي دي ميستورا، وأيضا ما راكموه من تجارب دبلوماسية، وحنكتهم السياسية والدبلوماسية وما بذلوه من جهد في إيجاد مخرج لقضية الصحراء، لم يستطيعوا في الأخير، تذليل الصعوبات في بلورة حل دائم ونهائي لملف الصحراء، حيث اصطدمت مساعيهم بعقبات جمة وكثيرة، تفرضها لوبيات المصالح السياسية والاقتصادية للدول وجماعات الضغط في ظل النظام الدولي الراهن المضطرب، وبصفة خاصة دول الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، التي لا تريد فرض حل على أطراف النزاع في الوقت الحالي وانشغالها ببؤر توتر أخرى أكثر أهمية من قضية الصحراء، جعلتهم يقدمون استقالاتهم لاستحالة إتمام مهامهم التي عينوا من أجلها، لقد مر على تعيين دي ميستور مبعوثا أمميا قرابة سنتين ولم ينجح في وقف المواجهات المسلحة الأخيرة على الحدود، والتي بدأت أكثر من سنة بين المغرب وجبهة البوليساريو وبلورة حل متفق عليه بين الأطراف ينهي حالة اللاإستقرار والجمود بالمنطقة.
وختاما، لقد أظهرت التجارب السابقة أن المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة لا يملك مفاتيح الحل بيده، وأنه من دون الدعم المطلق لمجلس الأمن الدولي له، لا يمكن الوصول الى نتيجة مسبقة. وهو ما تجلى في استقالة المبعوثين السابقين على غرار رئيس الدبلوماسية الأسبق جيمس بيكر، والسفير الأمريكي الأسبق كريستوفر روس (إضافة الى الرئيس الألماني السابق هورست كولر وآخرين سابقين أغلبهم فشلوا في مهامهم)، اللذين كانا أكثر دينامية، ولديهم مظلة دولية للتحرك، وتقريب وجهات نظر الفرقاء السياسيين بالمنطقة، عكس دي ميستورا الذي سيفشل لا محالة في التوصل الى حل سياسي متفق عليه بين الأطراف. في الوقت الذي كان يجب الانكباب على المشاكل الاجتماعية، والعمل على مصالحة حقيقية، تنهي تبعات تفكيك اكديم إزيك والبحث عن عفو عام للمعتقلين السياسيين، وتسوية ملف الضيعات الفلاحية، أو ما يصطلح عليه محليا بالكراير. وأيضا ملف الصيد البحري، وخاصة القوارب المعيشية الذي أصبح يطفو على الساحة مؤخرا، أضف الى ذلك وجود اكبر معدلات قياسية في البطالة بين الشباب مسجلة وطنيا بجهات الصحراء، وعدم تغييب الأطر والكفاءات المشهود لها بالنزاهة، والتي أصبحت تعي بأنها غير مرغوب فيها بالمساهمة في المشهد السياسي العام بالمنطقة، والتي ينظر إليها بنوع من الشك والريبة من طرف صانع القرار في تقلد مناصب المسؤولية، والعمل أيضا على محاربة الزبونية وفتح الباب أمام الكوادر الصحراوية لشغل باب المسؤولية، فرغم وجود الفوسفاط وثروة سمكية مهمة لا تستفيد منها الساكنة. هذه كلها عوامل رئيسة مساهمة في تأجيج درجة الاحتقان الاجتماعي، مما يستوجب التفكير في نهج سياسة مغايرة مبنية على التنمية، الانفتاح، الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة.

 

Exit mobile version