هشام بيتاح
الأزمة في أوكرانيا وتداعياتها على الدول العربية.
يعيد التوتر القائم بين الدول الغربية وروسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية أجواء الحرب الباردة إلى الأذهان، إذ كانت الأجواء مشحونة بشكل مستمر بين الاتحاد السوفياتي السابق ودول حلف شمال الأطلسي، وعلى رأسها الولايات المتحدة. وخلال هذه الفترة اصطفت الدول العربية في هذا المحور أو ذاك، وشكلت إحدى الساحات الرئيسية للنزاع بين المعسكرين. فأين تقف هذه الدول خلال الأزمة الراهنة؟
مما لاشك فيه ان اي حرب تكون لها نتائج على مختلف الاصعدة وتنتج لنا نتائج وخيمة بشرية كانت او اقتصادية او إجتماعية…
فالعديد من الدول وخاصة منها دول العالم الثالث تعيش على وقع مخاوف تطور ادحرب بين روسيا وأوكرانيا والتي قد تؤدي إلى عدم الاستقرار بالعالم وفي منطقة الشرق الأوسط إذا دخلت الولايات المتحدة طرفا فيها، فمن الممكن لدول الخليج المصدرة للنفط والغاز أن تجد في الحرب فرصة لتحسين علاقاتها مع واشنطن التي ترغب في أن تكون بعض هذه الدول مستعدة لتعويض نقص إمدادات الغاز الروسي إلى الدول الأوروبية، مقابل ان الحكومات العربية تحاول عدم اتخاذ مواقف سياسية من الأزمة سعيا للحفاظ على علاقات متوازنة مع الدولتين، لكن مع استمرار التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا حول الأزمة قد تجد بعض الحكومات العربية نفسها أمام اتخاذ موقف، في وقت اتجهت فيه كل من إيران ومصر والعراق ودول أخرى إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع روسيا والصين.
إلا أن دولا عربية مثل سوريا والسعودية والإمارات والعراق والجزائر وغيرها، ودول إقليمية مثل إيران تسعى للحفاظ على علاقاتها مع موسكو بما يعزز متطلبات حاجتها للصناعات العسكرية الروسية، والشراكة مع روسيا في ما يتعلق بالحفاظ على أسعار النفط في السوق العالمية بما يخدم الدول المنتجة له، إضافة إلى تعزيز نفوذها الدبلوماسي في مواجهة الولايات المتحدة بالنسبة لكل من سوريا وإيران.
ولقد شكل الدور الذي يمكن لقطر -التي تحتل المرتبة الثانية كأكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم، أن تلعبه لتعويض أي نقص محتمل في إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، محورا أساسيا في محادثات الرئيس الأمريكي جو بايدن مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني خلال زيارة الأخير إلى واشنطن.
بالإضافة إلى الدور الذي تأمل الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون أن تتمكن الدول العربية المنتجة للغاز من لعبه في تعويض النقص في إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، تتطلع واشنطن إلى أن يسهم كبار منتجي النفط في العالم العربي، وعلى رأسهم السعودية، في منع الارتفاع الشديد في أسعار النفط العالمية نتيجة للمخاوف المتعلقة بالأزمة الأوكرانية الروسية، عبر زيادة إنتاجهم من النفط.
إضافة إلى دور هذه الدول في تصدير الحبوب الى الدول العربية وتجد دول مثل مصر، التي تعد أكبر مستورد للقمح في العالم، ولبنان واليمن وعُمان وليبيا وغيرها، نفسها في موقف صعب، خاصة إذا ما نظرنا إلى “الدور الذي لعبه الأمن الغذائي في اندلاع الانتفاضات العربية قبل أكثر من عشر سنوات”، كما يعتمد الاقتصاد السوري بشكل كبير على المساعدات الإنسانية وقد تأثر بالفعل بالعقوبات الأمريكية على روسيا. كما تعتمد تركيا ولبنان والأردن اعتمادا كبيرا على المساعدات الإنسانية، وهي مرهَقة للغاية، ويزداد وضعها تعقيدا بسبب الوضع السياسي والاقتصادي المحلي غير المستقر.
وقد تكون هناك بدائل لأوكرانيا وروسيا، مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، ولكنها بدائل باهظة الثمن، فضلا عن أنه “يمكن للمرء أن يجادل بأن فقدان الإمدادات الروسية والأوكرانية يمكن أن يزيد من نفوذ الولايات المتحدة على واردات الغذاء في المنطقة”.
كما تشير إلى أنه حتى في حال توفر المال اللازم لاستيراد القمح من هذه الدول بكلفة أعلى، “لا تزال هناك مشكلة فيما يتعلق بامتلاك البنية التحتية المناسبة والإعداد لجلب هذه الإمدادات”، إذ تعتمد معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على البحر الأسود كطريقة لدخول السلع الزراعية، وهو ما يعني أنه سيتعين على هذه البلدان استيراد هذه السلع عبر طرق بديلة.