الصحراء واحد
كلمة السيد محمد صباري، النائب الأول لرئيس مجلس النواب رئيس الوفد البرلماني المغربي أمام الدورة 147 لمؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي
“العمل البرلماني من أجل السلام والعدالة ومن أجل مؤسسات فاعلة”.
باسـم اللـه الرحمـن الـرحيـم
صاحبة المعالي رئيسة الجمعية الوطنية لأنغولا،
صاحب المعالي رئيس الاتحاد البرلماني الدولي،
السيد الأمين العام،
السيدات والسادة رؤساء المجالس ورؤساء الوفودِ البرلمانية،
السيدات والسادة،
يُسْعِدُني ويُشرفُني أن أتناول الكلمة أمام مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي في دورته المائة وسَبْعٍ وأربعين، هُنَا في العاصمة الأنغولية، وذلك باسْمِ برلمان المملكة المغربية. وهي مناسبةٌ لأُحَيِّـيَ أولًا هذا البلد الصديق، أنغولا، شعبًا وقيادةً وحكومةً، على كرم الاستقبال وحُسْن الضيافة آملًا كُلَّ التوفيقِ لأشغال هذا المؤتمر الدولي، وللأصدقاء الأنغوليين في هذا الرهان الكبير مُقَدِّرًا الجهد الذي بُذِلَ لإِنجاح هذه الدورة. كما أحَيِّي بالخصوص السيدة كارولينا سيركيرا (Carolina Cerqueira) وأصدقاءنا في الجمعية الوطنية لأنغولا على التنظيم الجيد لهذه الدورة.
تنعقد هذه الدورة ونحن نتابع بقلق كبير وحسرة عميقة تطورات الأحداث المؤلمة والخطيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث يدفع المدنيون الأبرياء ثمن أعمال عسكرية غير مسبوقة وعنف مقرون بحصار شامل.
وإننا في برلمان المملكة المغربية إذ نعتز بالمواقف التاريخية الحكيمة والمتبصرة التي كانت دوما للمملكة المغربية بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس في دعم الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل حقوقه المشروعة المكفولة بالمواثيق والقرارات الدولية؛ نطالب بإنهاء هذه المعاناة ووقف الحرب فورا بما يفتح الآفاق للعمل الدبلوماسي والسياسي، في إطار مسلسل ينبغي أن يؤدي، في النهاية، إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة بمؤسساتها وبحدودها المعترف بها دوليا وعاصمتها القدس.
حضرات السيدات والسادة،
لقد شكل الاتحاد البرلماني الدولي باستمرار مرجعًا حَيَويًّا موجِّهًا للممارسات البرلمانية المعاصرة، وداعِمًا للبرلمانات الوطنية في أداءِ أدوارها الأَساسية، والنهوض بمهامها الديمقراطية، وفي تعزيز آلياتِ إرساءِ عقدٍ اجتماعي يضمن بلورة مبادئ الحق السياسي والاجتماعي والثقافي، واستقرار النظام الاجتماعي، والتمكين لنظام المؤسسات المَدَنِيَّة الحديثة والديمقراطية، الفاعلة والقائمة على مبدأ الحرية والرضا واعتماد القانون والمبادئ والمواثيق والتعهدات الدولية والوطنية ذاتِ الشرعية والمصداقية والقيم المُـلـْزِمَة، المادية والأخلاقية والرمزية.
وحسَنًا فعل الاتحاد البرلماني الدولي أَنِ اقْتَرَحَ للمناقشاتِ العامة، في هذه الدورة، موضوعًا مُرَكَّبًا يحيل على الهدف السادس عشر من خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي أَقَرَّتْها منظمةُ الأمم المتحدة، والذي يهم تعزيز السلام والعدل واعتبار المؤسسات، ودولة المؤسسات، وفعالية وقوة المؤسسات، شروطًا لابد من تحقُّقِها كي يتحقق الإِطار العام لأهداف التنمية المستدامة، وكي تتمكن الشعوب من مواجهة كافة التحديات، وتحظى السياسات العمومية لديها بالثقة.
السيد الرئيس،
زميلاتي زملائي،
إن العمل البرلماني يُوجَدُ في قَلْبِ قضايا التنمية، والعدالة، والسِّلْم والأمن والاستقرار. والمؤسسة البرلمانية عندما تنبثق عن اختيار حُرٍّ شَفَّافٍ، وتَتَوفَّر على قوةٍ تمثيلية، وقدرةٍ على الإسهام في صناعةِ القرارات، وإِنتاج التشريعات الملائمة، والحضور في الواقع اليومي، ومواكبة اهتماماتِ وانشغالات المواطنين والإنصات لمطالبهم وحاجياتهم واستغاثاتهم في بعض الظروف والمراحل، لَمِمَّا يعطيها شرعيةً حقيقية، وقدرةً على الإِقناع.
وقد عشنا في المملكة المغربية، لحظتَيْن عَسِيرَتَيْن، الأولى كانت أَمام اختبار وباء كورونا – كوفيد 19 القاتل. فنجحت بِلادُنا في نهجِ عَمَلٍ استباقي وتعبئة إمكانات الدولة والمجتمع، وقدمنا نموذجًا في المواجهة والتأطير الميداني وتمنيع شعبنا من نتائج كارثية عاشتها بلدانٌ متعددة. كما شَكَّل الزلزال الأخير (زلزال حَوْز مراكش وسَطَ المغرب) في 8 سبتمبر الماضي لحظة اخْتِبَارٍ أخرى وقفت بلادُنا في مواجهتها بقيادة عاهلها جلالة الملك محمد السادس، وإلى جانبه حكومةُ جلالته وكافة المؤسسات الرسمية والشعبية وعلى رأسها البرلمان. فأعطى المغرب مرة أخرى مثالًا ملموسًا على مجابهة الكوارث والجَوَائِحِ الطارئة التي تُلْقي بأثقالها المفاجئة، ما يتطلب سرعةَ ردّ الفعل، ورفع وتيرة التعبئة الوطنية، وسرعة التشريع الضامن لشرعيةِ القرارات والحكامة الجيدة، واتخاذ التدابير العادلة، المُنْصِفة، المُقْنِعَة والتي تحفظ تماسك المجتمع والوحدة الوطنية، وتضمن المشاركة المَدَنية للمواطنات والمواطنين.
وإِذ أغتنم هذه المناسبة لأتقدم بالشكر وصادق الامتنان إلى جميع الدول الشقيقة والصديقة التي ساندتنا في محنتنا الأخيرة أو عبرت عن تعازيها وتضامنها واستعدادها للدعم والاستجابة، أغْتَنِمُها فرصةً سانحةً أيضًا لأؤكد أن لحظة الزلزال الأخيرة، وقبلها لحظة الوباء الكاسحة التي أرهقت بلدانًا ودولًا وازنة في العالم، أوضَحَتَا معًا أن البلاد التي وفَّرتْ أَسُسَ الاِستقرار وفي مقدمتها بناءُ دولةِ المؤسسات الفاعلة، وبلورة نموذج وطني للعدالة الاجتماعية والاقتصادية لِنَفْسِها، ولِلتَّنْميةِ السياسية قائمٍ على مقاربةِ حقوقيةٍ، وشرعية دستورية، ونَهْجٍ كوني للتنمية المستدامة، وتكريسٍ لأجيالٍ جديدةٍ من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية واللغوية، لابد وأن تعيش لحظاتِ المحنِ والامتحاناتِ الصعبةِ كجزءٍ من تجربتها التاريخية، فتعطي تضحياتٍ جسيمةً وضحايا أبرياءَ وتنتصر على التحديات مثلما تنتصر لِنَفْسِها، ولكرامة شعبها، ولرصيدها بل وتنتصر لحلفائها وأشقائها وأصدقائها أينما كانوا، كما تنتصر للقيم الإنسانية، ولأخلاقِ المسؤولية، وللتاريخ.
ولقد نجحنا – والحمد لله – في تحديات التنمية المستدامة لأن المغرب شَيَّدَ نموذجًا قائمًا على جوهَرٍ ديموقراطي، وعلى خياراتٍ استراتيجية أسَاسُها العنصرُ البشري وتحسينُ تمثيليةِ النساء والشباب، وتطوير روح المَأْسَسَةِ في الإِدارةِ والتخطيطِ وصناعةِ القرار. وجعلنا الحقوق الفردية والجماعية مقتضياتٍ واضحةً في دستور بلادنا، وتعكسها السياساتُ العمومية التي يصادق عليها البرلمان بِغُرفَتَيْه ويراقبها ويقوم بمواكبتها وتقييمها، وتجسدُها برامجُ ملموسةٌ في مجال التربية والتكوين، والصحة العمومية، والتكافل الاجتماعي، والحماية الاجتماعية سواء كنظامٍ للمساعدة الطبية والتأمينِ الصحي عن الأمراض أو التعويضات والدعم المادي المباشر، وخلق الآليات لتكافؤ الفرص بين مواطنينا، وتحقيق الإنصاف والعدالة بمفْهُومِها القانوني في أُفُقِ نموذجٍ مندمجٍ لما ينبغي أن تكون عليه العدالة الاجتماعية والاقتصادية في بلادٍ لها طموحُها المشروع في التقدم، لكنها واعية بإِمكانياتها، وتسعى دون توقفٍ إلى تحريك السواكن، وإِنتاج الثروة، وتحقيق الرَّفَاه المنشود.
شكرًا لكرم إنصاتكم. والسلام عليكم.