الأزمة الجزائرية الاسبانية الراهنة وانعكاساتها على قضية الصحراء …بقلم: د الشيخ بوسعيد

alt=

الصحراء الأول

الأزمة الجزائرية الاسبانية الراهنة وانعكاساتها على قضية الصحراء …

الدكتور: الشيخ بوسعيد

في الوقت الذي أنهت فيه حكومة بيدرو سانشيز أزمتها مع المملكة المغربية بتغيير موقفها من قضية الصحراء والانفراج السياسي في العلاقات المغربية الاسبانية. في المقابل ستشهد العلاقات الجزائرية الاسبانية مزيدا من التوتر على خلفية موقف الحكومة الحالية من قضية الصحراء،مما حدا بالجزائر إلى الإعلان عن تجميد عمليات التجارة الخارجية للمنتجات والخدمات من والى اسبانيا ، وتعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون التي أبرمتها مع اسبانيا قبل عشرين عاما، وألزمت الجانبين بالتعاون في السيطرة على تدفقات الهجرة السرية. يمكن القول بان هناك مجموعة من الأسباب والدوافع الرئيسية والمصالح المتضاربة وراء هذا التصعيد في العلاقات الجزائرية الاسبانية، منها ما يأخذ طابع سياسي، وآخر اقتصادي جيوستراتيجي، تغلب عليهم تشابك المصالح ومبدأ المعاملة بالمثل كعناصر أساسية للقانون الدولي الاقتصادي التي تطبع العلاقات والمعاملات بين الدول .

أولا- الموقف الجديد لحكومة سانشيز من قضية الصحراء .

تنعطف الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر واسبانيا إلى مزيدا من التوتر على خلفية الموقف الاسباني المستجد من قضية الصحراء،والذي أثار غضب الجزائر،وصولا إلى الموقف الجزائري الغاضب أخيرا في أعقاب تعليق وصف بغير المقبول من قبل رئيس الدبلوماسية الاسباني خوسيه مانويل الباريس،ردا على تصريحات أدلى بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مؤخرا حول الأزمة مع مدريد .
وكانت حكومة بيدرو سانشيز قد أعلنت في الثامن عشر من شهر مارس الماضي، عن تغيير في موقفها بشان قضية الصحراء، ودعم المقترح المغربي القاضي بمنح حكم ذاتي للصحراء بعدما كان موقفها محايدا من النزاع، وباعتبارها مستعمرة اسبانية سابقة للاقليم .
وأثار الموقف الأخير لمدريد بخصوص دعمها للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، والذي يعتبره بعض المتتبعين بأنه تاريخي وغير مسبوق، وبأنه فوز للدبلوماسية المغربية بعد سلسلة انتصارات على المستوى القاري والدولي، ولم تقدم عليه الحكومات الاسبانية السابقة، غضب الجزائر التي قامت باستدعاء سفيرها للتشاور، احتجاجا على ما اعتبرته الجزائر انقلابا مفاجئا في الموقف الاسباني وتملصا من المسؤولية التاريخية لمدريد تجاه مستقبل الإقليم . ويرى بعض المسؤولين الجزائريين أن التصريحات التي أدلى بها المتحدثون الرسميون للاتحاد الأوروبي، حول قرار الجزائر تعليق العمل بمعاهدة الصداقة مع اسبانيا “غير مناسبة وغير مبررة” . مؤكدين في السياق ذاته أن تعليق العمل بمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون تخص العلاقات الثنائية الجزائرية الاسبانية، وهي اتفاقية اسبانية لا تلزم الاتحاد الأوروبي بأي حال من الأحوال، وان هذه المعاهدة تنص صراحة على تعزيز الحوار السياسي، وتؤكد على الأهمية السياسية لاحترام القانون الدولي، ويرى المسؤولين الجزائريين أن حكومة بيدرو سانشيز الحالية فشلت في الوفاء بالتزاماتها. مضيفين أولا، لم تبلغ الحكومة الجزائرية في أي وقت بنية أو قرار تغيير موقف الحكومة الاسبانية جذريا بشان مسالة الصحراء. وثانيا، فيما يتعلق باحترام القانون الدولي، داست حكومة سانشيز على القانون الدولي والقانون الأوروبي، بتجاهلها رأي محكمة العدل الدولية، وأحكام محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي حول قضية الصحراء. وترى الجزائر انه فيما يتعلق بهاتين النقطتين الأساسيتين، فقد جعلت الالتزامات التي تعهد بها الطرف الاسباني بموجب هذه المعاهدة بلا معنى، وبالتالي فان الحكومة الاسبانية غير موثوق بها .
يذكر أن المعاهدة الاسبانية الجزائرية المبرمة في مدريد شهر أكتوبر سنة 2002، تنص على تعزيز الحوار السياسي بين البلدين على جميع المستويات، وتطوير التعاون في المجالات الاقتصادية والمالية والتعليمية والدفاعية .وتدور محاور المعاهدة حول احترام القانون الدولي، والمساواة فالسيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرفين،وكذا الامتناع عن اللجوء إلى القوة أو التهديد باستخدامها عند أي خلاف، ثم تسوية المنازعات بالوسائل السلمية، والتعاون من اجل التنمية، بالإضافة إلى احترام البلدين لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للشعبين، والعمل على تنمية الحوار بينهما .

ثانيا- انعكاسات التوتر الجزائري الاسباني على مستوى توريد الطاقة ومستقبل قضية الصحراء .
دخلت العلاقات الاسبانية الجزائرية منذ الثامن عشر مارس الماضي إلى فصل جديد من التوتر، بسبب إعلان مدريد دعم مقترح الحكم الذاتي في الصحراء، في نفق مظلم غير مسبوق مع الرفض الكلي لقصر المرادية التحول الجذري في موقف الجار الايبيري إزاء ملف الصحراء . وتأزمت العلاقات بين البلدين الأسبوع الماضي مع إعلان الجزائر تعليق “معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون” بين الطرفين. وجاء القرار الجزائري عقب توتر العلاقات بين البلدين اثر إعلان مدريد عن دعمها للمبادرة المغربية في الصحراء . إذن فمن هو الرابح والخاسر في تدهور العلاقات بين الطرفين ؟
لقد جاء هذا التحول في الموقف الاسباني إزاء قضية الصحراء، عقب شهور من الجفاء الدبلوماسي بين المغرب واسبانيا، في خضم تأزم العلاقات بين البلدين لمستويات عالية، على خلفية استقبال مدريد في ابريل 2021 لزعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي لتلقي العلاج بعد إصابته بفيروس كورونا ” بوثائق مزورة وهوية منتحلة ” وفق اتهامات الرباط . وكانت حكومة سانشيز قد أعلنت، وللمرة الأولى، دعمها للمقترح المغربي المقدم سنة 2007 من طرف المغرب القاضي بمنح حكما ذاتيا موسعا لمنطقة الصحراء تحت سيادته، باعتبارها هي الأساس والأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل النزاع بين الرباط وجبهة البوليساريو المتمسكة بخيار تقرير المصير . وردا على الموقف الاسباني، سارعت الجزائر حليفة البوليساريو في المنطقة، وقتها إلى استدعاء سفيرها لدى مدريد ” للتشاور ” ، كما أعلنت شركة المحروقات الوطنية سونطراك، المملوكة للدولة،رفع أسعار الغاز الذي تصدره إلى اسبانيا. تعد الجزائر موردا رئيسيا للغاز لاسبانيا، وفي سياق متصل، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في وقت سابق انه لن يفسخ عقد التوريد بسبب هذا الخلاف. وبدوره أعلن وزير الخارجية الاسباني خوسيه مانويل الباريس انه لا يوجد مؤشر على حدوث تغيير بهذا الخصوص. وقالت وزيرة الطاقة الاسبانية تيريزا ريبيرا أن : ” موقف الجزائر المتعلق بإمدادات الغاز نموذج يحتدى به ” .
وكانت مشكلة الهجرة دائما حاضرة في الصراع بين ضفتي المتوسط ، ويرى البعض أن المغرب كان قد خفف المراقبة على الحدود مع سبتة في أوج الأزمة الدبلوماسية مع مدريد، مما أدى إلى وصول أكثر من عشرة آلاف مهاجر في منتصف شهر ماي من سنة 2021 خلال ثمانية وأربعين ساعة. وصرح رئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز عقب قرار الجزائر أن بلاده لن تسمح ” باستخدام الهجرة غير الشرعية وسيلة ضغط ” . ويرى بعض المتتبعين أن الغرض من التصعيد الجزائري الحالي تجاه اسبانيا هو : ” تحقيق مكاسب إقليمية ودولية، تساعد الحكومة الجزائرية على تهدئة الداخل، وربما تكون هذه الحادثة إحدى هذه المكاسب ” . لاسيما وان السلطات الجزائرية شددت قبضتها الأمنية على أي حركة داخلية في إطار الحراك الشعبي .

وختاما، يمكن القول بأنه ستتأثر مجالات عديدة في العلاقات بين البلدين، نتيجة قرار إعلان الجزائر تعليق معاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار مع اسبانيا، وذلك بالنظر للموقع الجغرافي للبلدين والمصالح الجيوستراتيجية والإستراتيجية بينهما، كدولتين على ضفتي البحر الأبيض المتوسط ، يحتم عليهما وجود علاقات ومصالح تعتمد حسن الجوار . فالمصالح هنا تقاس بقيمة الشيء، فكلما زادت قيمة الشيء المتنازع عليه لدى طرف أكثر من طرف آخر، تقل قيمة الضرر المترتب على المطالبة بالاستمرار للحفاظ على قيمة هذا الشيء المتنازع عليه. وانطلاقا من هذا المبدأ نستنتج أن أضرار هذا القرار ستكون كبيرة وثقيلة على اسبانيا أكثر منها على الجزائر لاسيما في الشق المتعلق بالهجرة والاتجار بالبشر .

Exit mobile version