كلمة رئيس مجلس النواب السيد راشيد الطالبي العلمي ممثل صاحب الجلالة في القمة الأولى الكورية الإفريقية، ورئيس الوفد المغربي

مدير الموقع4 يونيو 2024آخر تحديث :
كلمة رئيس مجلس النواب السيد راشيد الطالبي العلمي ممثل صاحب الجلالة في القمة الأولى الكورية الإفريقية، ورئيس الوفد المغربي

الصحراء واحد


صاحب الفخامة رئيس جمهورية كوريا السيد YOON SUK YEOL،

صاحب الفخامة رئيس الجمهورية الموريتانية الإسلامية، رئيس الاتحاد الإفريقي السيد محمد ولد الغزواني،

أصحاب الفخامة الرؤساء،

أصحاب المعالي رؤساء الحكومات والوزراء،

أصحاب السعادة السفراء،

السيدات والسادة،

يشرفني أيَّما تشريف أن أشارك في القمة الكورية – الإفريقية التي تحتضن دورتَها الأولى سيول عاصمة الجمهورية الكورية، البلد الصديق والشريك للمملكة المغربية.

وأود، فخامة الرئيس، أن أبلغكم تحيات وتقدير وتشكرات صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله على دعوة المملكة المغربية للمشاركة في هذه القمة، وتقدير جلالته لمبادرتكم. ونفس عبارات الشكر والتقدير والأخوة أنقلها إلى صاحب الفخامة الرئيس محمد ولد الغزواني رئيس الاتحاد الإفريقي، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية الشقيقة، التي تجمعها بالمملكة المغربية أواصر الدم والأخوة والجوار والتاريخ والثقافة المشتركة. وإن المملكة المغربية لتفخر بأن تنعقدَ هذه القمة الأولى في ظل الرئاسة الموريتانية للاتحاد الإفريقي، معززةً المبادرات المنتجة التي تميز رئاستكم، فخامة الرئيس.

أصحاب الفخامة، والمعالي والسعادة،

السيدات والسادة،

يجسد موضوع القمة الكورية الإفريقية الأولى “المستقبل الذي نضعه معا : النمو المشترك والاستدامة والتضامن”، ويكثف الطموحَ المشترك للقارة الإفريقية وجمهورية كوريا من أجل التنمية والتقدم والسعي الجماعي إلى رفع التحديات التي تواجه المجموعة الدولية، وهي تحدياتٌ، تتعاظم، مع كامل الأسف وتتسع، لتمتد من الجيوسياسي والأمني إلى الاختلالات المناخية وانعكاساتها الكبرى، خاصة على بلدان قارتنا التي ليست مسؤولة إلا بقسط ضعيف عن احترار الكوكب الأرضي، إذ لا تساهم سوى بأقل من % 4 من انبعاثات الغازات المسببة لهذا الاحترار.

وتَجْثُمُ هذه التحديات وغيرُها على عددٍ كبير من بلدان القارة الإفريقية، وتَكْبَحُ جهودَ التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتُثقل كاهلَ الإِنفاق العمومي، وتنتج حالات من اليأس والإحباط، خاصة في أوساط الشباب الإفريقي المتطلع إلى حياة أفضل وإلى الكرامة، وهو ينظر إلى الرخاء الذي يتمتع به نظراؤه في قارات أخرى.

وإذا كانت قارتنا لم تعد تلك القارة المنكوبة، إذ تشهدُ دينامياتٍ عميقةً سياسية ومؤسساتية واقتصادية، وانتقالاتٍ هامةً، فإن مؤشراتِ التنمية، والدخل والفقر، والتجهيز، والولوج إلى الخدمات في إفريقيا لا تزال الأقل على المستوى الدولي.

وليس هذا الوضع قدرا لا راد له Ce n’est pas une fatalité، لأن قارتَنا تتوفر على إمكانيات هائلة: موارد بشرية شابة هائلة، وموارد أولية معدنية نفيسة وضخمة واستراتيجية، أراضي خصبة شاسعة، إذ تتوفر القارة على 60% من الأراضي القابلة للزراعة في العالم. يضاف إلى ذلك، المواردُ البحرية التي تتوفر عليها القارة، وتشكل مخزنا استراتيجيا للغذاء، ومجالا أزرقَ واعدا للأنشطة والخدمات والنقل.

وتحتاج هذه الإمكانيات إلى الآليات والتمويلات والمهارات التي تحولها إلى ثروات تحقق النهضة الإفريقية المأمولة. وأعتقد أن جمهوريةَ كوريا بحكم تاريخها، وصدقية شراكاتها، وحيادها، وعقيدتها الدبلوماسية، مؤهلةٌ للإسهامِ في تحقيق هذه النهضة من خلال شراكاتٍ تتجاوزُ الثنائيَّ إلى ما هو قارِّي متعدّدِ الأطراف.

وبالتأكيد فإن هذه القمة تشكل منطلقا لتحقيق هذا الهدف.

وإذا كانت إفريقيا في حاجة إلى نقل التكنولوجيا والمهارات وتحويل الاستثمارات، فإن كوريا تتوفر على إمكانيات هامة في هذا المجال. وسواء في مجال الصناعة، أو التكنولوجيات الجديدة والذكاء الاصطناعي، والتجارة، والنقل، فإن بإمكان كوريا، من خلال الشراكة مع إفريقيا أن تساهم بالكثير في إطار رؤيةِ رابح-رابح تتوجه إلى المستقبل ولا تَختزلُ التعاون في المنافع المادية فقط.

وإذا كانت إفريقيا، أرضا بِكرا وتحتاج إلى تحولات عميقة من حيث التجهيزات الأساسية الداخلية والعابرة للحدود، والتصنيع، وإنتاج الغذاء والطاقة من مصادر غير ملوثة، فإن جمهورية كوريا تتوفر على الخبرات والتكنولوجيا التي تسعف في تحقيق هذه الطموحات.

ولَئِنْ كانت إفريقيا اليوم هي موضوع تنافس دولي، فإن الشراكة الكورية الإفريقية، التي تتكامل مع باقي شراكات القارة التي نحترمها ونقدرها، وصورة جمهورية كوريا في إفريقيا وقصة نجاحها الباهر والسرعة التي حققت بها اقتدارها التكنولوجي والعلمي والاقتصادي، والتزامها الثابت بدعم استقرار الدول الإفريقية ووحدتها الترابية وسيادتها الوطنية، تشكل حوافزَ لنجاحِ هذه الدينامية الجديدة في التعاون الإفريقي-الكوري.

أصحاب الفخامة،

أصحاب المعالي،

أصحاب السعادة،

تفخر المملكة المغربية، التي تجمعها بجمهورية كوريا علاقاتُ وِدٍّ وتعاونٍ ومبادلاتٌ تجاريةٌ متنوعة، بالروابط المتينة المتنوعة التي تجمعها بالأغلبية الساحقة من البلدان الإفريقية. فمنذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس العرش في 1999، وقعت بلادُنا أكثر من ألف (1000) اتفاقية وبروتوكول تعاون مع أربعين دولة إفريقية أخرى ليتجاوز عدد الاتفاقيات التي تجمع المملكة مع أشقائها الأفارقة 1500. ويعكس هذا الكمُّ الهائلُ من الاتفاقيات التزامَ المغرب الصادقِ، القَارِّ والهادفِ من أجل تعاونٍ إفريقي-إفريقي.

ليس هذا الالتزام وليدَ اليوم، إذ إنه جزء من تاريخ المملكة العريق، ومن تقاليدها وثقافتها. وقد تعزّز، ذلك خلال مرحلة كفاح إفريقيا من أجل الاستقلال وفي فجر الاستقلالات الوطنية، إذ بادر جلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، إلى الدعوة إلى مؤتمر الدار البيضاء الذي انعقد في بداية يناير 1961، وانبثق عنه “ميثاق إفريقيا الجديدة”. وتوخى هذا الحدث توحيد جهود القارة، أولا من أجل استرجاع ما تبقى من أجزائها، وثانيا من أجل الوحدة الإفريقية. وقد تُوِّجَ هذا المسلسل بإحداث منظمة الوحدة الإفريقية.

وربطا للحاضر والمستقبل، بالماضي باعتباره تاريخا حَيّاً، حَرَصَ صاحب الجلالة نصره الله منذ 2000 على إطلاق عدة مبادرات، وأطلق مع أشقائه رؤساء الدول الأفارقة مشاريع إنمائية مهيكلة، بناء على رؤيةٍ بعيدة المدى تتوخى انبثاق إفريقيا جديدة : إفريقيا قوية، وإفريقيا جريئة تتولى الدفاع عن مصالحها.

وإدراكا من المغرب، لمركزية الفلاحة والتنمية المستدامة في التنمية الشاملة بالقارة، حَرَصَ جلالة الملك مع عدد من أشقائه الأفارقة منذ 2016 بمناسبة قمة المناخ بمراكش على إطلاق عدة مبادرات لفائدة القارة، منها مبادرة ملاءمة الفلاحة الإفريقية (AAA).

وترافَع المغرب من أجل جعل إفريقيا في قلب الانشغالات المناخية على المستوى العالمي، وهو ما تجسد في إحداث ثلاث لجان حول المناخ والتنمية المستدامة بإفريقيا (منطقة الساحل وحوض الكونغو والدول الجزرية الصغيرة).

ويواكبُ هذا الترافعَ ما ينجزُه المغرب من أجل جعل الفلاحة الإفريقية مستدامة وذات مردودية عالية ومنتجة للدخل والشغل الضامن للكرامة، ومُساهِمَةٍ في الأمن الغذائي.

ومن جهة أخرى، ينبغي التذكير بالأهمية الاستراتيجية لمشروع أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب الذي يهدف إلى المساهمة في تنمية 13 بلدا إفريقيا وتمكينها من مادة حيوية للتقدم : الطاقة.

ويتكامل هذا المشروع مع المبادرة الدولية التي أعلن عنها صاحب الجلالة في نونبر 2023 والتي تتوخى، تأسيسا على تشخيص الخصاص في التجهيزات الأساسية في بلدان الساحل الإفريقية، تمكين هذه البلدان من الولوج إلى المحيط الأطلسي وفك العزلة عن تلك التي لا تتوفر على منافذ بحرية وتنفيذ مشاريع مهيكلة عابرة للحدود تربط إفريقيا بالعالم وتشرك مختلف القوى الاقتصادية في هذا المشروع الإنمائي الطموح.

يتعلق الأمر، إذن بمشاريع ذات أهداف نبيلة إنسانية، قبل أن تكون تجارية، وهي تجسد الإرادة في تمكين الشعوب الإفريقية من الحق في التنمية، والاستفادة من التطور الصناعي والتكنولوجي والعلمي، والولوج إلى الخدمات الأساسية.

وما من شك في أن هذه الرؤية التضامنية، وهذه القيم التي تتوخى تحقيق التقدم الجماعي، ستسعف في إقلاع إفريقيا، القارة الواعدة، قارة المستقبل، التي على العالم أن يصحح العديد من التمثلات بشأنها، لأنها قارة الفرص والموارد البشرية الشابة والإمكانيات الهائلة، ولأن من حقها أن تحقق التنمية التي تيسر الاستقرار في سياق دولي متسم بالنزاعات وبالنزوع إلى تقويض العيش المشترك.

في هكذا سياق، يظل المغرب حريصا على توطيد روابط التعاون المتميزة مع كوريا والارتقاء بها إلى آفاق أوسع وأعمق، كما يظل مقتنعا ومؤمنا بأن الشراكة الإفريقية – الكورية تشكل إضافة أساسية إلى جهود تقدم القارة واستقرار العالم وتحقيق العدالة الدولية.

أشكركم فخامة الرئيس، والسلام عليكم ورحمة الله.

الاخبار العاجلة