“آثار قرار محكمة العدل الأوروبية الأخير على نزاع الصحراء” بقلم د- الشيخ بوسعيد

مدير الموقع15 أكتوبر 2024آخر تحديث :
“آثار قرار محكمة العدل الأوروبية الأخير على نزاع الصحراء” بقلم د- الشيخ بوسعيد

الصحراء واحد

 

 

بقلم د- الشيخ بوسعيد
باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية

آثار قرار محكمة العدل الأوروبية الأخير على نزاع الصحراء.
لقد أصدرت محكمة العدل الأوروبية مطلع الشهر الجاري قرارا نهائيا، يقضي ببطلان اتفاقات تجارية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية يشمل منطقة الصحراء الغربية. واستندت المحكمة الأوروبية في قرارها على غياب شرط “موافقة شعب الصحراء على التنفيذ…”.في المقابل، قالت الرباط إن الحكم يعد ” انحيازا سياسيا صارخا، وأبدت موقفا صارما إزاء أي اتفاقية لا تحترم وحدتها الترابية، وأنها غير معنية بتاتا بقرار محكمة العدل الأوروبية، بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي. من جهتها وصفت جبهة البوليساريو قرار محكمة العدل الأوروبية، بأنه “نصر تاريخي”، وذكر بيان الجبهة : أن قرار محكمة العدل الأوروبية ” يؤكد عدم شرعية اتفاقيات الاتحاد الأوروبي والمغرب التي تم إبرامها في انتهاك لحق الشعب الصحراوي في الموافقة، وفي سيادته الدائمة على موارده الطبيعية “.
إذن ماهي تداعيات وآثار صدور هذا القرار على أطراف النزاع الإقليمي حول قضية الصحراء ؟ وهل يمكن للاتحاد الأوروبي أن يوازي بين المصالح الاقتصادية والسياسية والأحكام القضائية الملزمة للدول الأوروبية الأعضاء داخل الفضاء الأوروبي ؟
أولا- تداعيات وآثار صدور قرار محكمة العدل الأوروبية على أطراف النزاع حول قضية الصحراء.
في وقت سابق، أكد المغرب أن إلغاء اتفاقيتي الصيد البحري والفلاحة مع الاتحاد الأوروبي، لن يكون لها اي تداعيات على تنمية هذين القطاعين، اللذين يشهدان نموا كبيرا وتطورا على مستوى القارة الإفريقية. وكانت المحكمة الأوروبية قد ألغت الاتفاقيتين بسبب النزاع المتعلق بقضية الصحراء، إذ اعتبرت المحكمة الأوروبية أن ” شعب الصحراء ” لم يستشر فيهما، وان “وجود الاتفاقيتين رهين بموافقته “. رافضة الطعون التي رفعتها المفوضية الأوروبية . وفي أول تعليق رسمي مغربي، أكدت الخارجية المغربية، في بيان لها، أن المملكة تعتبر نفسها “غير معنية بتاتا” بقرار محكمة العدل الأوروبية، بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري، وأنها لم تشارك في أي مرحلة من مراحل هذه المسطرة. وأضافت في بيان لها ، أن : “المغرب ليس طرفا في هذه القضية، التي تهم الاتحاد الأوروبي من جهة، والبوليساريو المدعومة من قبل الجزائر من جهة أخرى”. مشيرة الى أن المغرب لم يشارك في أية مرحلة من مراحل هذه المسطرة، وبالتالي: “يعتبر نفسه غير معني بتاتا بهذا القرار”. وفي سياق متصل، قال وزير الفلاحة والصيد البحري المغربي محمد صديقي : ” أن نمو قطاعي الفلاحة والصيد البحري لن يتأثر، بعد إلغاء محكمة العدل الأوروبية اتفاقيتي الصيد البحري مع أوروبا”. وأضاف أيضا على هامش الاجتماع الوزاري لمبادرة “الحزام الأزرق” التي تهتم بحماية التنوع الحيوي البحري في إفريقيا والعالم، أن: “قرار المحكمة الأوروبية يعني الأوروبيين، نحن غير معنيين به”. وأردف قائلا : “نحن لا نقبل بأية اتفاقية لا تحترم السيادة الوطنية”.
من جهتها، وصفت جبهة البوليساريو قرار محكمة العدل الأوروبية، بأنه “نصر تاريخي”. بعدما رفضت المحكمة الأوروبية، الطعون التي تقدم بها مجلس ومفوضية الاتحاد الأوروبي، ضد قرار أصدرته المحكمة الأوروبية في شهر سبتمبر الماضي من هذه السنة الحالية، والذي كان يقضي بإلغاء هاتين الاتفاقيتين. وفي تعليقها على القرار، سارعت المفوضية الأوروبية الى تأكيد أنها تعمل على مواصلة تعزيز العلاقة المميزة التي تحافظ عليها مع المغرب. وقالت متحدثة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، نبيلة مصرالي، أن المفوضية تقوم حاليا بدراسة محتوى الحكم، مؤكدة أن بروكسيل “عازمة على الحفاظ على العلاقة المتميزة مع الرباط، ومواصلة تعزيزها في جميع جوانب الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب”.
ثانيا- هل يمكن للاتحاد الأوروبي أن يوازي بين المصالح الاقتصادية والسياسية والأحكام القضائية الملزمة للدول الأعضاء داخل الاتحاد ؟
يعتبر قرار وقف اتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي من أهم القضايا الرئيسية والمحورية التي أثارت جدلا في الآونة الأخيرة، خاصة بعد حكم المحكمة الأوروبية الأخير، بعدم الاعتراف الكامل بالاتفاقيات التي تشمل منطقة الصحراء المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو. ورغم صدور هذا القرار، فان التفسير أو التحليل العميق لمنطوق حكم محكمة العدل الأوروبية، والذي يعتبر نهائيا وملزما لدول الاتحاد الأوروبي، والذي يدل على وجود تناقض كبير بين المجال الاقتصادي والسياسي من جهة، والجانب القضائي في سياسة بروكسيل مع الرباط، وخاصة الأحكام الصادرة عن المحاكم الأوروبية والتي تعتبر ملزمة ونهائية. فعلى الرغم من أن المحكمة الأوروبية، اتخذت قرارا يقضي بإلغاء اتفاقية الصيد البحري والزراعة التي تم توقيعها بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية سنة 2019. واعتبرت المحكمة في قرارها أن : ” شعب الصحراء الغربية ” لم يستشر بشان هذه الاتفاقات، التي شملت موارد الصيد البحري والمنتجات الزراعية، إذ اعتبرت أنهما يشكلان خرقا لقراراتها، خاصة القرارين 2016 و2018، واللذان يعتبران أن : ” ضم إقليم الصحراء الى اتفاقية الصيد يخالف بعض البنود في القانون الدولي “، باعتباره إقليما متنازع عليه. ووفقا لمنطوق الحكم، يعد إبرام هذه الاتفاقيات مع المغرب خرقا لمبدأ ” الأثر النسبي للمعاهدات.” إذ لا يمكن لاتفاقية دولية أن تؤثر على حقوق وموارد شعب لم يشارك أو يوافق عليه”. بحسب تعبير القرار الأخير الصادر عن محكمة العدل الأوروبية.
الى ذلك، طالب المغرب المجلس والمفوضية الأوروبية، والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، باتخاذ التدابير اللازمة من اجل احترام التزاماتها الدولية، والحفاظ على مكتسبات الشراكة، وتمكين المملكة المغربية من الضمان القانوني الذي يحق لها التمتع به بكيفية شرعية، وذلك بصفته شريكا للاتحاد الأوروبي بشان العديد من الرهانات الإستراتيجية. وجدد المغرب تأكيد “موقفه الثابت إزاء عدم الالتزام بأي اتفاق أو وثيقة قانونية لا تحترم وحدته الترابية والوطنية”.
وجاء قرار البطلان هذا، في أعقاب طعن تقدم مجلس الاتحاد الأوروبي في شهر ديسمبر 2021 أمام محكمة العدل الأوروبية، ضد قرار أصدرته محكمة الاتحاد الأوروبي، الذي صدر في سبتمبر من نفس السنة، القاضي بإلغاء الاتفاقيتين، ويعد هذا القرار نهائيا، وغير قابل للطعن. ووصفت جبهة البوليساريو على لسان المكلف بملف التقاضي أمام المحاكم الأوروبية بشرايا أبي، قرار محكمة العدل الدولية في لوكسمبورغ، في بيان، بأنه ” انتصار عظيم للقضية الصحراوية، ونصر تاريخي للشعب الصحراوي “. وذكر بيان جبهة البوليساريو أن قرار محكمة العدل الأوروبية ” يؤكد عدم شرعية اتفاقيات الاتحاد الأوروبي والمغرب، التي تم إبرامها في انتهاك لحق الشعب الصحراوي في الموافقة، وفي سيادته الدائمة على موارده الطبيعية، بكون الصحراء الغربية تتمتع بوضع منفصل ومستقل عن الأراضي المغربية، وأن الشعب الصحراوي، يشكل طرفا ثالثا في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، ولا بد من موافقته”، وفق بيان الجبهة. واعتبر أن الخطوة الأخيرة تعني أن ” جبهة البوليساريو تمتلك الأهلية القانونية للتقاضي أمام محاكم الاتحاد الأوروبي، في أي قضية تتعلق بالسلامة الترابية للصحراء الغربية واستغلال مواردها الطبيعية. هذا الانجاز الحاسم سيمنع أي تحايل مستقبلي على أحكام القضاء” وفق البيان.
يمكن الجزم بالقول، بان اسبانيا تعتبر أكثر الدول الأوروبية تضررا من قرار وقف الاتفاق، خاصة أن حوالي 47 سفينة من إقليم الأندلس، و38 من جزر الكناري، و 7 من إقليم غاليسيا، كانت تعتمد على الصيد في إقليم الصحراء المتنازع عليه بين المغرب وجبهة البوليساريو، هذه المناطق تشكل ضغطا كبيرا على حكومة بيدرو شانشيز لتجديد الاتفاق، مما يضع مدريد في موقف حرج بين الالتزام بالأحكام القضائية الأوروبية، وبين حماية مصالح قطاع الصيد البحري.
فتصريحات وزير الشؤون الخارجية الاسباني، خوسي مانويل الباريس، أظهرت تعهد الحكومة الاسبانية بدعم قطاع الصيد البحري، وهو ما يعكس جدية الأزمة التي تواجهها اسبانيا. فهل ستستطيع مدريد تجاوز هذه الأزمة عبر التفاوض مع المغرب؟ أم ستظل مقيدة بالأحكام القضائية الأوروبية؟ . فعلى الرغم من أن المحكمة الأوروبية، اتخذت قرارا قانونيا يعرقل تجديد الاتفاقيات التجارية مع المغرب، إلا أن هناك دولا أوروبية رئيسية، مثل اسبانيا وهولندا اللتان أعربتا عن تمسكهما بالعلاقات الإستراتيجية مع المغرب. بالإضافة الى تصريحات رئيس المفوضية الأوروبية والممثل السامي للشؤون الخارجية، جوزيف بوريل، التي شددت على أهمية الحفاظ على الشراكة مع المغرب، تعكس الرغبة الواضحة في تعزيز العلاقات، مما يثير تساؤلا حول كيفية التوفيق بين الأحكام القضائية والمصالح الاقتصادية والسياسية لدول الاتحاد الأوروبي.
فتصريحات وزير الشؤون الخارجية الاسباني، خوسي مانويل الباريس، أظهرت تعهد الحكومة الاسبانية بدعم قطاع الصيد البحري، وهو ما يعكس جدية الأزمة التي تواجهها اسبانيا. فهل ستستطيع مدريد تجاوز هذه الأزمة عبر التفاوض مع المغرب؟ أم ستظل مقيدة بالأحكام القضائية الأوروبية؟ . فعلى الرغم من أن المحكمة الأوروبية، اتخذت قرارا قانونيا يعرقل تجديد الاتفاقيات التجارية مع المغرب، إلا أن هناك دولا أوروبية رئيسية، مثل اسبانيا وهولندا اللتان أعربتا عن تمسكهما بالعلاقات الإستراتيجية مع المغرب. بالإضافة الى تصريحات رئيس المفوضية الأوروبية والممثل السامي للشؤون الخارجية، جوزيف بوريل، التي شددت على أهمية الحفاظ على الشراكة مع المغرب، تعكس الرغبة الواضحة في تعزيز العلاقات، مما يثير تساؤلا حول كيفية التوفيق بين الأحكام القضائية والمصالح الاقتصادية والسياسية لدول الاتحاد الأوروبي.
من جهة أخرى، أبدت الرباط موقفا صارما إزاء أي اتفاقية لا تشمل إقليم الصحراء، ولا تحترم الوحدة الترابية للمملكة، وسيظل السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هل سيقبل المغرب بأي اتفاق مع الاتحاد الأوروبي لا يشمل إقليم الصحراء؟ فهل ستستمر الدول الأوروبية في دعم المغرب أمام التحديات القانونية التي يواجهها ؟ أم أن قرارات المحاكم ستحول دون تلك الشراكات؟ سيكون هناك حلا في المستقبل القريب ؟
وفي الأخير، يبقى قرار محكمة العدل بشان اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري مع الرباط حدثا رئيسيا ومحوريا يعكس في منطوق الحكم الكثير من التداعيات السياسية والاقتصادية. في الوقت الذي تسعى فيه بعض الدول داخل الاتحاد القاري الأوروبي الى تحقيق توازن حقيقي، يراعي مصالحها الحيوية مع المغرب من جهة، ومدى التزامها بالقوانين والأحكام الصادرة عن المحاكم الأوروبية، في الوقت التي أضحت مسألة إدارة الموارد في الصحراء، إحدى ابرز المعارك التي يخوضها الطرفان، المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، والتي ظهرت كثيرا مع قضية اتفاق الصيد البحري مع المغرب والاتحاد الأوروبي، وأيضا على مستوى إنتاج الفوسفات . والتي تطرح أكثر من علامة استفهام حول دلالات الأحكام القضائية الأوروبية الصادرة مؤخرا، ومدى تأثيرها على الصراع القانوني والاقتصادي القائم بين المغرب والبوليساريو.

 

الاخبار العاجلة