مجاهد أباعلي يكتب: نخب الصحراء والتغييب الممنهج لوجودها السياسي

مدير الموقع28 أكتوبر 2024آخر تحديث :
مجاهد أباعلي يكتب: نخب الصحراء والتغييب الممنهج لوجودها السياسي

الصحراء واحد

نخب الصحراء، والتغييب الممنهج لوجودها السياسي

– مجاهد أباعلي

إن المتمعن في التشكيل الحكومي وتوزيع الحقائب الوزارية بالنسبة لحكومة عزيز أخنوش سواء منها الحكومة الأولى أو حتى الثانية في صيغتها المعدّلة،لا شك يقف مذهولا أمام حجم الغياب الواضح أو بالأحرى التغييب الممنهج الحاصل فيما يخص تمثيلية النخب السياسية أو حتى الثقافية لأبناء وأهل الصحراء، وهو أمر يطرح العديد من علامات الاستفهام حولّ موقف وتصور القابضين على زمام الأمور في هذه الحكومة،أو لنقل بصريح العبارة لدى السيد عزيز أخنوش كرئيس للحكومة .
وفي مقاربة متناقضة تناقضا صارخا وغير مفهوم، بين إرادة عليا جادة وصادقة في إقحام نخب الصحراء في كل الفعاليات السياسية والثقافية وحتى المجتمعية، وأخرى دنيا معنية بالتدبير الحكومي الحالي، الذي كما يبدو بالنظر إلى التشكيل والهندسة الحكومية الأخيرة، لا يجسد الإهتمام الذي يجب أن يكون بالمكون الصحراوي،ولا يواكب نفس الروح والإرادة، التي طالما عبّرت عنها الخطب الرسمية والتوجهات العامة والخاصة والتي تجعل أهل الصحراء بمختلف مكوناتهم في صلب اهتماماتها وأولوياتها، وهذا ما يجعل من همهمات الإهمال ذات الصوت المنخفض، تتحول إلى أصوات عالية ترى في التنديد بهذا الإهمال حقا وواجبا وجب الصدّح به، بل ومن غير المعقول أو حتى من المقبول وجود هذا الفراغ السياسي الواضح، في الوقت الذي كان بالإمكان تصحيحه في النسخة الحكومية الثانية المعدلة، بدل التشبُّث بنفس التوجه الإقصائي.
في كل النقاشات التي تطرحها نخب الصحراء حول تمثيلياتها داخل دوائر القرار السياسي، ينبُع سؤال مشروع حول تصنيفها المواطناتي داخل هذه البلاد، ويُطرح سؤال أعمق من ذلك حول ما الذي يجب أن تقوم به هذه النخب حتى تنال درجة التصنيف الأّول من المواطنة، وبالتالي نيل حقها في تمثيلية سياسية توصل بها أصوات قطعة جغرافية من المفترض أنها جزء أساسي ومن صميم هذه البلاد.
فقد يجيب مجيب أن التقاطيع السياسية نابعة من قوانين وأعراف تولي الأولية للخرائط الحزبية أكثر منها للخرائط الجغرافية، ولكن بالمقابل فهل هذا بالفعل ما يقع داخل الدوائر الضيقة للتقسيم السياسي ؟ وهل من النقيصة أو من العار حتى، أن يطرح أبناء الصحراء ونخبها السياسية سؤالاً حول أسباب تغييبها في مقابل شرعية أو أحقية نخب أخرى تطرح نفس السؤال؟، من قبيل تمثيلية المناطق الهامشية، أو الشرقية أو الريف، فكيف يكون السؤال مشروعا في سياق يتعلق بمشهد سياسي، ويتحول ذريعة للتخوين والتشكيك في سياق آخر.
لطالما تذكرنا نحن أبناء أواخر القرن العشرين كل النقاشات وكل أشكال التوعية الجادة التي انتهجتها الدولة بكل الوسائل من أجل إدراج وإدماج أبناء الصحراء في قضايا وطنهم، وحثهم على الانخراط الجاد في الهياكل السياسية والاجتماعية، وهذا بالفعل ما شكّل وعيا صادقا لدى العديد منهم، ممن انخرطوا في هذا النقاش وآثروا في النهاية المصلحة العليا للبلاد ، لكن واقع الحال أنتج العديد من الصدمات الفكرية المبنيّة أساسا على أن ما كان شعارا بالأمس، تحول إلى مجرد سراب حاليا.
في رقم يقارب التسعمائة الحاصلين على شهادة الدكتوراه في شتى الحقول المعرفية والمجالات، ومئات مهندسي الدولة، وعشرات الأساتذة الجامعيين في مختلف المؤسسات العليا، لم يلمس ولا واحد من أبناء الصحراء أو واحدة التصالح الفعلي مع حظهم السياسي العاثر بفعل هذا التغييب المقصود، حتى ينالوا فرصتهم كاملة والمستحقة في قطاع معين، في الوقت الذي نالت فيه العديد من البروفايلات العجيبة فرصة كاملة في تدبير قطاعات حيوية، بعيدا عن الضرب في أحد، أو الخوض في عديد التفاصيل الخاصة بطرق توزيع الحقائب. بل إن الضعف والارتباك وكذا الّإرتجال الواضح في اختيار عديد البروفايلات ومدى ملاءمتها للإستوزار، يبدو مستغربا بدرجة كبيرة، مما يزكي شرعية ومشروعية هذا النقاش. فأبناء الصحراء لهم من الكفاءة والحق في أخذ فرصهم كاملة كلٌ في مجال تخصصه دون تمييز.
وعند التأمل في كرونولوجيا التمثيلية السياسية لأبناء الصحراء على مر التاريخ السياسي السابق، فقد كانت تمثيلية مشرفة جدا، وبأداء تدبيري وسياسي رفيع، وكل اختيار كان في محله، فمن ينسى مثلا الأداء لعديد الأسماء التي شرفّت بلادها أولا، وشرفت النخب السياسية القادمة من الصحراء ثانيا، ولكنه تقليد انقطع بشكل غريب، وبدا الأمر اليوم كأنه خطأ وغلطة تم تصحيحها. ليطرح السؤال من جديد، من يحارب تمثيلية نخب الصحراء؟ ومن له المصلحة في ذلك؟، وهل هو توجه مقصود ومبيت أم هو محضّ زلّة؟
ولذلك، يبقى من حق الرأي العام الصحراوي أن يتساءل حول جدوى الانخراط في الاستحقاقات الانتخابية، وهو الإقليم الذي عرف بتحقيق أرقاما قياسية أغنت المشهد السياسي والإنتخابي، بل وأنقذ الحصيلة الإنتخابية من براثن العزوف السياسي الكبير، وبشهادة الأحزاب المرجعية التي طالما تغنت – حد الإبحاح- بنسب المشاركة العالية لهذه الأقاليم الجنوبية، غير أن هذا التغني سرعان ما يقابله التنكر والخذلان في خلق تمثيلية سياسية ولو رمزية لهذه الفئة الانتخابية الكبيرة، وهذا ما يخلق صورة تصنف داخل فن الكاريكاتور السوداوي، عن ثلة من الشباب الذين حاولوا أن يوصلوا مشاكل أهل الصحراء فصدّت الأبواب في أوجههم، فاختاروا طريقا عدميا أوصلنا لما نحن عليه اليوم.
إن هذا الموضوع يتطلب الكثير من الحكمة والحنكة، والوعي السياسي المسؤول، ويتطلب أيضا تدخلا من أعلى سلط البلاد، فالتخريجات السياسية الميكروسكبية تفقد الواقع السياسي شروط التعاطي الشمولي والماكروسكوبي معه، فالمغرب بلاد شاسعة بكل تفاصيلها وتلاوينها، وليس من المقبول أن يختل ميزان التعاطي السياسي المتوازن لأي سبب، ما دامت النتيجة الأخيرة هي أن يلغى الصوت السياسي لمجال شاسع وهام، هو مجال الصحراء.

وإذا كانت مداخل التحليل الخاصة بهذا الموضوع متعددة، فمن الواجب الإشارة إلى ضرورة تحقق وعي عميق لدى أصحاب القرار فيما يتعلق بخلق نخب سياسية أو ثقافية، أو المساهمة في تهيئ كل شروط وجودها ذاتيا، سواء على مستوى الكم أوالكيف، وتنبع هذه الأهمية من التحضير لكل رهان مستقبلي. ربما هذا التفكير الاستراتيجي البعيد المدى، وذو المنافع الكبيرة للأسف الشديد لم يخطر على بال أصحاب التدبير الحكومي الحالي، لذلك وجب أن يكون في سياق مقاربة تدبيرية تتجاوز هذا الحاصل اليوم بكثير. هذا الإيقاع السياسي المتباين من طرف المدبرين للشأن العام، هو ما يعزز فينا دائما فكرة أن مغرب المقاربات الملكية الإستراتيجية والإستباقية، يخالف تماما مغرب التدبير الحكومي الضيق العاجز عن إيجاد حلول وبدائل تعزز اللحمة الوطنية وتقوي التماسك المجتمعي وتذكي الإيمان بالوطن للجميع.
ختاما وجب تسليط مسلاط الضوء النقدي نحو هذه النخب، – ما دام كاتب هذه الأسطر منها-، فاللحظة تستوجب ميثاق جماعي بطابع تنديدي لكل إقصاء سياسي واقع أو من المحتمل أن يقع، فصوت الفرد غير مسموع وإن كان عاليا، ومن أهداف هذا الميثاق الواجب، هو أن يكون هناك صوت عالٍ لفئة كان من الواجب الاستماع لصوتها من باب الحكمة والحوار العقلاني، بدل أن يُسمع في صيغته الاحتجاجية.

الاخبار العاجلة