الصحراء واحد

التنافس المغربي الجزائري الأخير على المناصب القيادية داخل الاتحاد الإفريقي..
بقلم: د الشيخ بوسعيد باحث في القانون العام
في الأيام القليلة الماضية، وبالضبط يوم 15 فبراير المنصرم، اشتدت المنافسة بين المغرب والجزائر على الظفر بمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، وهو منصب استراتيجي يمكنه صاحبه من التأثير في قرارات المنظمة القارية، وذلك في ظل المساعي المبذولة من الجانبين، لتعزيز الحضور الدبلوماسي داخل القارة الإفريقية. ويعكس هذا التنافس المحتدم أيضا، مدى التوتر الإقليمي المستمر بين الدولتين الشقيقتين والجارتين، والذي يجسد الحلقة الجديدة في سلسلة المعارك الدبلوماسية الحالية بين الطرفين، للفوز بالمناصب القوية والمؤثرة داخل مؤسسات وأجهزة الاتحاد الإفريقي. إذن أين تكمن صور وأوجه الصراع المحتدم بين الأطراف للظفر بمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي ؟ وأين تتجلى تداعيات التنافس المغربي الجزائري على منصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي ؟ وانعكاسه على قضية الصحراء مستقبلا ؟
أولا- صور وأوجه التنافس المغربي الجزائري للفوز بمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي.
لقد اشتدت مؤخرا المنافسة بين المغرب والجزائر على منصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، في ظل المساعي المبذولة من الطرفين لتعزيز التواجد والحضور الدبلوماسي داخل المنظمة القارية، هذا التنافس يعكس الصراع الإقليمي المستمر بين البلدين، ويمثل أيضا حلقة جديدة في السفيرة سلسلة المعارك الدبلوماسية بينهما، للظفر بالمناصب الوازنة والمؤثرة داخل المؤسسات الإفريقية. فالتنافس لم يقتصر غلى المغرب والجزائر، بل شمل أيضا مصر وليبيا على خلافة الرواندية مونيك نسانزا باغانوا، على منصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي. واختارت المملكة المغربية، لطيفة اخرباش، الرئيسة الحالية للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ، وكاتبة الدولة السابقة في الخارجية والمديرة السابقة للمعهد العالي للصحافة بالرباط، لترشيحها للمنصب المخصص للمنافسة الداخلية، المخصصة لدول شمال إفريقيا، وفق مبدأ التناوب. واختارت الجزائر ترشيح سلمى حدادي، السفيرة الحالية للجزائر في إثيوبيا والمندوبة الدائمة في الاتحاد الإفريقي، والمديرة السابقة لشؤون إفريقيا في وزارة الخارجية الجزائرية. في حين رشحت القاهرة حنان موسى للمنافسة على المنصب، في الوقت الذي كانت فيه حظوظ الليبية نجاة حجاجي، الرئيسة السابقة للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة صعبة بسبب ماضيها كسفيرة قريبة جدا من محيط الراحل معمر القذافي. بعد معركة دبلوماسية، جاء فوز الجزائر من خلال سفيرتها بأديس أبابا وممثلتها الدائمة لدى الاتحاد الإفريقي، سلمى حدادي، التي حققت 33 صوتا، وهي أغلبية الثلثين المطلوبة، وذلك على حساب منافستها الأولى، المرشحة المغربية لطيفة اخرباش، في وقت انسحبت المرشحة الليبية من الدور الاول، والمرشحة المصرية من الدور الثالث بعد أن منحت أصواتها التسعة لمرشحة الجزائر، في الذي كان التحالف بين الجزائر وتونس وليبيا، عكس تحالف المغرب ومصر. إذن لماذا أقدمت مصر على هذا السلوك؟ واستقبل هذا الفوز بفرحة عارمة لدى البعثة الجزائرية في أديس أبابا، خاصة ما يمثله هذا المنصب من أهمية استرايتجية في الهيئة العليا، في ظل سعي الجزائر لتثبيت وجودها في عمقها الإفريقي. وفي تغريدة له، علق صالح فوجيل رئيس مجلس الأمة الجزائري، وهو الرجل الثاني (بروتوكوليا) في النظام السياسي الجزائري قائلا:”انتصار دبلوماسي جديد بانتخاب الجزائر المنتصرة نائبا لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي… الأفارقة انتخبوا صوتهم الصادق في مجلس الأمن الدولي ضد الأوليغارشيا ودعاية الخصوم..” . وفي تصريح لها عقب الانتخاب، قالت سلمى حدادي :” إن فوزها يعد برهانا على مكانة الجزائر وعمقها الإفريقي، وهو تعبير عن ثقة الدول الإفريقية بها، وفي قيادتها الرشيدة ” . ونشطت الجزائر بكثافة في التحضير للقمة 38 للاتحاد الإفريقي، حيث كان وزير الخارجية احمد عطاف قد زار عدة دول افريقية لكسب الدعم والتأييد للمرشحة الجزائرية، كما حظر الرئيس عبد المجيد تبون شخصيا أشغال القمة، مرفوقا بأكثر من 70 شخصية دبلوماسية وسياسية . وترأس إحدى جلساتها، كما كان له على الهامش عدة لقاءات مع القادة الأفارقة. مقابل 12 شخصية دبلوماسية رافقت وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة . في الوقت الذي قامت الدبلوماسية الملكية بمحهودات كبيرة في وقت سابق، وحققت نجاحات فاقت كل التوقعات من خلال الزيارات الملكية لعدة دول افريقية، والتي اغلبها سحب اعترافه بجبهة البوليساريو، وخاصة بعد عودة المغرب للاتحاد الإفريقي سنة 2017.
ثانيا: تداعيات التنافس المغربي الجزائري الحالي على نزاع الصحراء مستقبلا.
تشهد الدبلوماسية المغربية مؤخرا داخل أروقة الاتحاد الإفريقي تعثرا وتخبطا عشوائيا، من خلال اتخاذ بعض القرارات والخطوات الغير مدروسة، والدخول في نزال من عدمه غير محسوم مسبقا، وان يكون غير مبني على دراسات دقيقة، كما الحال بالنسبة للتنافس الأخير على منصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي. يمكن القول بان المنصب سياسي، وغير مهم، وان الجزائر قد سلكت طرق غير أخلاقية لشراء الأصوات، وفق ما تم التسويق والدعاية له قبل الانتخابات في وسائل الإعلام. ومن باب المسؤولية الملقاة علينا جميعا كمغاربة من جهة اولى، وباحثين من جهة ثانية، يجب علينا إثارة مسالة إخفاق المغرب في الظفر بمنصب نيابة رئيس المفوضية الإفريقية. وان نقوم بطرح سؤال أو إشكالية حول من يتحمل مسؤولية هذا الفشل اوالاخفاق في هذا الفوز؟ فالترشح ليس قرار بمحض الصدفة أو يكون اعتباطي، بل يجب أن يكون مبنيا على قرار ودراسة معمقة واختيار البروفايلات الدبلوماسية المناسبة، والتي لها خبرة طويلة فالميدان وراكمت تجارب طويلة، ويمكنها منافسة البشير أبي ويسلم بيسط ومولود سعيد وأهل ما جرا، لان المعركة الدبلوماسية لازالت مستمرة مع الجزائر والبوليساريو لفترة طويلة لحماية وتعزيز نفوذ البلاد. في الوقت الذي يرى فيه بعض المتتبعين، أن اغلب الدبلوماسيين المغاربة يفضلون العمل في أوروبا، أمريكا والخليج. وان العمل الدبلوماسي في دول إفريقيا مرتبط بالأوبئة والتخلف، ومحفوف بالمخاطر لانعدام الأمن ببعض الدول الإفريقية، التي يشهد اغلبها انقلابات عسكرية وسياسية بين الفينة والأخرى. إن استراتيجيات عودة المغرب للاتحاد الإفريقي، وضبط التوازنات القارية بعد ثلاثة عقود من الغياب، تفرض البحث عن دلالات هذه العودة، وفهم أدوات السياسية الخارجية المغربية تجاه إفريقيا من جهة ( الدبلوماسية الرسمية وغير الرسمية ). إضافة الى إبراز تداعيات هذه العودة على المستوى الإقليمي ، خاصة على مستوى العلاقات
المغربية – الجزائرية وعلاقتها بالصراع على قضية الصحراء من جهة أخرى، وربطها بالتطورات الأخيرة وطرح سؤال محوري ورئيسي. إذن كل المبررات غير مقنعة. لماذا خسر المغرب هذا النزال الأخير مع الجزائر حول الفوز بمنصب نيابة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي ؟ ومن يتحمل المسؤولية الكاملة في معركة لازالت مستمرة كما يراها بعض المتخصصين ومتعددة الأوجه والوجهات ؟
وفي الأخير، يمكن القول بان الدبلوماسية الملكية، قامت بتحقيق انتصارات ونجاحات كبيرة على أكثر من صعيد، سواء على مستوى القارة الإفريقية، أو على المستوى الأوروبي والأمريكي، في خطوات غير قابلة بالمجازفة وصولا الى الهدف المنشود لتحصين المكتسبات الملكية وصيانة وحدة البلاد. وتجلى ذالك من خلال فتح مجموعة من الدول الإفريقية والعربية لتمثيلياتها القنصلية بكل من العيون (12 قنصلية)، والداخلة (14 قنصلية). إذن يجب على الجميع الحفاظ على ثوابت الأمة ومنجزاتها، كل حسب منصبه ودائرة اختصاصاته، والعمل على تحقيق مجموعة من الانتصارات مستقبلا وتحصين الجبهة الداخلية، وأيضا تحمل المسؤولية الملقاة عليه وربطها بالمحاسبة.








