الصحراء واحد
انقطاع الكهرباء في إسبانيا والبرتغال… حين يفضح الظلام هشاشة التكنولوجيا وينير المغرب الطريق.
بقلم عادل بن الحبيب
في عصر نفاخر فيه بالتقدم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي ، جاء انقطاع الكهرباء المفاجئ الذي ضرب أجزاء واسعة من إسبانيا والبرتغال ليعيدنا إلى واقع أقل بريقا وأكثر تواضعا. بضغطة واحدة على مفتاح، توقفت حياة ملايين الأشخاص: القطارات تجمدت، الاتصالات انقطعت، الشوارع غرقت في فوضى مؤقتة، والأنظمة الرقمية التي نعتمد عليها انهارت في لحظات.
هذا الانقطاع لم يكن مجرد عطب تقني أو خلل عابر، بل كشف عن ضعف جوهري في البنية التحتية الحديثة. في مجتمعات باتت تعتمد كليا على التيار الكهربائي لإدارة كل جوانب الحياة، يظهر سؤال جوهري: ماذا لو تكرر هذا الانقطاع؟ ماذا لو استمر لساعات أو أيام؟ هل نحن مستعدون حقاً؟
التكنولوجيا التي نعتبرها اليوم رمز القوة قد تتحول في لحظة إلى نقطة ضعف. ففي ظل الاعتماد المتزايد على الأنظمة الذكية المترابطة، يصبح أي خلل — سواء كان تقنيا أو نتيجة هجوم سيبراني — قادرا على شلّ مجتمع بأكمله. وهنا يظهر مفهوم “الهشاشة الرقمية”، حيث تتوقف الحياة بمجرد توقف التيار الكهربائي.
وسط هذه الفوضى، جاء الضوء – حرفيا– من المغرب، عبر الربط الكهربائي القائم مع إسبانيا، لعب دور المنقذ بتزويد الشبكة الإسبانية بجزء من احتياجاتها الطارئة من الكهرباء. هذه الخطوة لم تكن فقط تقنية، بل سياسية واستراتيجية بامتياز.
فأن يكون المغرب مساهما في استقرار شبكة الكهرباء الأوروبية، هو انعكاس لتحول موازين القوة في عالم الطاقة. المغرب، الذي استثمر في تنويع مصادره الطاقية، من الطاقات المتجددة إلى الغاز، أصبح فاعلا إقليميا حقيقيا في أمن الطاقة الأوروبي.
فالمغرب لم يصدر فقط الكهرباء، بل يصدّر الثقة، ويثبت قدرته على أن يكون شريكا يعتمد عليه، خاصة في الأوقات الحرجة.
انقطاع الكهرباء في إسبانيا والبرتغال لم يكن مجرد حادث عرضي، بل لحظة اختبار حقيقي لأنظمتنا الحديثة. والأهم أنه كان فرصة كي يظهر المغرب في المشهد، لا كمتفرج، بل كمساهم فعال
في الحل.
و في النهاية، التقدم ليس فقط في ما نبنيه من أنظمة ذكية، بل في قدرتنا على الصمود عندما تنهار.
