المبادرة المغربية للحكم الذاتي: قراءة تحليلية لمتطلبات التحيين وتفصيل المضامين في سياق القرار الأممي الأخير رقم 2797 بقلم الدكتور: الشيخ بوسعيد

مدير الموقع7 ديسمبر 2025آخر تحديث :
المبادرة المغربية للحكم الذاتي: قراءة تحليلية لمتطلبات التحيين وتفصيل المضامين في سياق القرار الأممي الأخير رقم 2797 بقلم الدكتور: الشيخ بوسعيد

الصحراء واحد

المبادرة المغربية للحكم الذاتي: قراءة تحليلية لمتطلبات التحيين وتفصيل المضامين في سياق القرار الأممي الأخير رقم 2797.


اعتمد مجلس الأمن الدولي يوم 31 أكتوبر الماضي، قرارا أمميا رقم 2797، ينص على أن منح إقليم الصحراء حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية، قد يكون الحل الأنجع والأنسب لقضية شائكة عمرت أكثر من خمس عقود، ويدعو الأطراف المعنية الى الدخول في مفاوضات على هذا الأساس. وصوتت لصالح القرار إحدى عشرة دولة من الدول الخمسة عشرة الأعضاء بمجلس الأمن، في حين امتنعت روسيا، الصين وباكستان عن التصويت على القرار، ولم تشارك الجزائر في التصويت. إذن ما هي تداعيات تبني مجلس الأمن الدولي لمقاربة الحكم الذاتي من خلال القرار الأممي الجديد رقم 2797 ؟ وأبن تتجلى لنا متطلبات المرحلة الحالية من خلال تحيين وتفصيل المبادرة المغربية للحكم الذاتي وتنزيلها على ارض الواقع؟
أولا- تداعيات تبني مجلس الأمن الدولي لمقاربة الحكم الذاتي من خلال القرار الأممي الجديد رقم 2797.
يدعو القرار الأممي الجديد جميع الأطراف الى الانخراط في المفاوضات بناء على خطة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب لأول مرة الى الأمم المتحدة سنة 2007.(1) كما جدد مجلس الأمن مهمة حفظ السلام في الصحراء المغربية لمدة سنة واحدة من أجل إتاحة الفرصة للطرفين للتوصل الى حل دائم ومقبول. وتنص المبادرة المغربية على إنشاء سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية محلية ينتخبها سكان الإقليم أو ساكنة منطقة الصحراء. في حين تسيطر الرباط على الشؤون الدفاعية والخارجية والدينية. وبدلا من ذلك، تريد جبهة البوليساريو إجراء الاستفتاء مع وضع الاستقلال ضمن الخيارات المطروحة للنقاش بين أطراف النزاع المفتعل حول الوحدة الترابية للمغرب، والذي لم يعود ممكنا وغير واقعي. وكانت جبهة البوليساريو قد قامت مؤخرا بتقديم مقترحها الموسع للأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس، والذي خلق نقاشا مستفيضا على مستوى الرأي المحلي في الصحراء، حيث تساءل فيه عن المقترح ودواعيه وحيثياته، وجدوائية طرحه خلال الفترة الحالية، لاسيما وأن المملكة المغربية باتت متقدمة بخطوات على مستوى النزاع، بفضل مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
يمكن القول، بأن تقديم البوليساريو لمقترحها في هذا الوقت بالذات، يدخل ضمن نطاق محاولة جديدة لتجاوز التطورات والأحداث التي تعرفها قضية الصحراء المغربية، لاسيما هذه الفترة الحالية التي تشهد تزايد الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، وكذا الدعم الدولي التي تحظى به المبادرة المغربية للحكم الذاتي من طرف 110 دولة، والتي قام بعضها مؤخرا بفتح قنصليات لها بكل من مدينتي العيون والداخلة، وأغلبها من دول إفريقيا جنوب الصحراء، ومدعومة أيضا من طرف ثلاثة دول أعضاء دائمين بمجلس الأمن الدولي. وتجدر الإشارة، الى أن إعلان جبهة البوليساريو عن المقترح في هذا الظرف السياسي الراهن الحساس، الذي تمر به قضية الوحدة الترابية، الذي يتضمن فكرة “تقرير المصير”، عبر تنظيم استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو الخيار الذي سبق لهذه الأخيرة، أن أعلنت عن استحالة تطبيقه بسبب التباعد الكبير في وجهات النظر بين المغرب من جهة، وجبهة البوليساريو والجزائر من جهة أخرى، حول من يحق له التصويت فيه.
لقد جاء مقترح جبهة البوليساريو، كردة فعل على تسريب مسودة مشروع قرار مجلس الأمن الدولي حول ملف الصحراء، التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لأعضاء مجلس الأمن شهر أكتوبر الماضي، والتي كان لها وقع كبير على موقف جبهة البوليساريو، مما حذا بالأخيرة الى الإعلان عن توسيع مقترحها، الذي كانت قد قدمته سنة 2007، ردا على المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي يشدد المنتظم الدولي على جديتها ومصداقيتها وواقعيتها، واعتبارها الحل الأمثل للنزاع العالق منذ أكثر من خمسة عقود، والذي تريد البوليساريو إطالة أمده وكسب الوقت، خاصة في ضوء التحركات الأمريكية الأخيرة الداعمة لمغربية الصحراء.(2) وكان مستشار الرئيس الأمريكي ترامب للشؤون الإفريقية “مصعب بولس”، قد صرح منتصف شهر أكتوبر الماضي، بأن الوقت قد حان لإيجاد حل نهائي ودائم لقضية الصحراء، مشيرا الى أن الرئيس ترامب شدد على سيادة المغرب على الصحراء، وأن واشنطن تنوي فتح قنصلية فيها قريبا.(3)
ثانيا- تحيين وتفصيل مضامين المبادرة المغربية للحكم الذاتي.
من جانبه، رحب جلالة الملك محمد السادس حفظه الله -في خطاب بثه التلفزيون-بقرار مجلس الأمن، داعيا الى إجراء حوار مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون . وأوضح جلالته أن المملكة المغربية ستقوم “بتحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي”، وستقدمها الى الأمم المتحدة، “لتشكل الأساس الوحيد للتفاوض، باعتبارها الحل الواقعي والقابل للتطبيق”. وأضاف جلالته أيضا: “أن ما بعد 31 أكتوبر لن يكون كما قبله”، مؤكدا:”إننا على مشارف حل قضية الصحراء بعد خمسين عاما”، وأنه: “حان وقت المغرب الموحد من طنجة الى لكويرة، الذي لن يتطاول أحدا على حقوقه وحدوده التاريخية “. وفي سياق متصل، أعرب جلالته أيضا عن شكره للولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، ودول عربية وافريقية على دعمها للسيادة المغربية على صحرائه. (4)
ومن جهة ثانية، صرح المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة لقضية الصحراء، ستيفان دي ميستورا أمام الصحفيين بداية شهر نوفمبر الحالي، أن العمل الحقيقي يبدأ الآن نحو حل متفق عليه لصراع ممتد لخمسين عاما. وأضاف أنه يعول على الأطراف وأعضاء مجلس الأمن، للانخراط البناء والمستمر من أجل الحفاظ على الزخم الايجابي. وتابع حديثه، بأن منظمة الأمم المتحدة تنتظر بفارغ الصبر، خطة المغرب المفصلة والمحدثة للحكم الذاتي في الصحراء، والتي ستشكل أساسا للمفاوضات المقبلة، وأضاف أيضا، أنه سيطلب من جميع الأطراف تقديم مقترحات لتمكين الأمم المتحدة من وضع برنامج مناقشات مباشرة أو غير مباشرة إذا لزم الأمر. (5)
وفي سياق متصل، انعقد يوم 10 نونبر الجاري بالديوان الملكي، اجتماع تشاوري ترأسه مستشارو الملك محمد السادس، فؤاد عالي الهمة، عمر عزيمان والطيب الفاسي الفهري مع زعماء الأحزاب السياسية الممثلة في مجلسي البرلمان، بحضور وزيري الداخلية والخارجية، والذي خصص لموضوع تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، تنفيذا للقرار الملكي السامي، الذي أعلن عنه جلالة الملك في خطابه الأخير الموجه للأمة يوم 31 أكتوبر الماضي، وذلك في أعقاب صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797. وفي هذا السياق، أبلغ مستشارو الملك للحضور حرص جلالة الملك على إشراك الهيئات السياسية عبر استشارتهم في هذه القضية المصيرية، مع دعوتهم لتقديم رؤى وتصورات تنظيماتهم السياسية بشأن عملية تحيين مقترح الحكم الذاتي في الصحراء. وبالتالي يجب على الأحزاب السياسية أن تقدم تصورات ومقترحات عملية في أقرب الآجال. (6) وهو ما يجعلها مضطرة لعقد لقاءات للنقاش وندوات لبلورة مجموعة من الأفكار، وإعداد مخططات وبرامج للعمل، وأيضا لتأسيس حوار بناء مع قواعدهم الشعبية من أجل الترافع عن الوحدة الترابية. مع ضرورة الانفتاح على الشباب والنخب المحلية الصحراوية التي يمكنها المساهمة برأيها، حيث أن معظمهم لم تستطع هذه الأحزاب السياسية تأطيره في السابق وإقناعهم ببرامجها السياسية. وبالتالي على الأحزاب الوطنية أن تقدم مقترحاتها في القريب العاجل، وهو ما يجعلها مضطرة الى عقد لقاءات تشاورية وندوات مع مناضلي وأطر الحزب، ومراعاة ضرورة إشراك مناضلي الحزب من الأقاليم الجنوبية، من أجل إعداد تصور عام من خلال المساهمة في بلورة مجموعة من الآراء والمقترحات في هذه المعركة المصيرية، التي تهم صون المقدسات ووحدة البلاد، والانفتاح أيضا على جميع المبادرات التي يمكنها أن تساهم في إعطاء وإبداء الرأي الذي يخدم أهداف المبادرة المغربية، لأنهم هم من سيدبرون شؤونهم بأنفسهم. لذلك نحن اليوم أمام لحظة تاريخية ومهمة من قضية وطنية كبرى، عمرت لأكثر من خمسة عقود من الزمن، تقتضي منا جميعا تكثيف الجهود لربحها. فكلنا معنيون، كل واحد من موقعه ومن خلال المسؤوليات الملقاة عليه تجاه وطنه، فالمرحلة الراهنة تستوجب منا جميعا ما يلي :
1ـ القيام بشكل مكثف بتنظيم ندوات ولقاءات وموائد مستديرة بمختلف مقرات وفروع الأحزاب السياسة، من أجل إعداد وبلورة الأفكار والملاحظات التي تستوجب إدراجها في الصيغة النهائية لمسودة المبادرة المغربية للحكم الذاتي المحينة.
2ـ العمل على مقاربة النوع، من خلال إشراك المرأة الصحراوية في هذه اللقاءات من أجل إدماجها بقوة في الحكم الذاتي والقوانين المؤطرة، أو أي عملية سياسية مقبلة، كتشكيل حكومة أو برلمان صحراوية.
3ـ إشراك المجتمع المدني بالأقاليم الجنوبية في تحيين مبادرة الحكم الذاتي، وخاصة الجمعيات والمراكز الاجتماعية والثقافية والرياضية وغيرها، التي تقوم بدور الدبلوماسية الموازية.
4ـ تنظيم لقاءات متتالية ومتواصلة بين نخب وأطر وأعيان وشيوخ القبائل الصحراوية من أجل الدفاع عن المبادرة المغربية للحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية، وإشراكهم في الترافع عن قضاياهم ونشر ثقافة الوعي.
5ـ المبادرة المغربية للحكم الذاتي هي الحل الأنسب والواقعي من أجل استقرار المنطقة، والعيش الكريم في أمن وسلام دائمين مع إخواننا وأبناء عمومتنا بمخيمات اللاجئين الصحراويين بتندوف، ومرحبا بهم جميعا بوطنهم الأم المغرب، الذي يتسع للجميع تحت القيادة الرشيدة لصاحب محمد السادس نصره الله، لكي نشيد ونبني كلنا صرح مستقبلنا، ومستقبل أجيالنا الصاعدة.
يمثل القرار الأممي رقم 2797، نقطة تحول في مسار النزاع في الصحراء المغربية، ويعكس تغيرا ملحوظا في خطاب مجلس الأمن(7)، بتبني المبادرة المغربية للحكم الذاتي كقاعدة أساسية للتفاوض، حيث أستطاعت الرباط أن تقنع مجموعة من دول العالم بالمقترح المغربي، وتكسب دعمها وتأييدها المطلق، وخاصة الدول الكبرى، وبصفة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وأن تتراجع هذه الدول عن دعم البوليساريو، وهو ما يمثل مكسبا دبلوماسيا حقيقيا للمغرب، في الوقت الذي أصبحت فيه جبهة البوليساريو تواجه تحديات متزايدة، خصوصا مع تراجع الاعترافات الدولية بها. وفي نفس الوقت نرى أيضا بأن الأمم المتحدة أمامها طريق صعب، لتحويل قرار مجلس الأمن الأخير بخصوص الصحراء الى عملية تفاوضية فعالة، تقضي الى التوفيق بين طرفي النزاع، ومنع انهيار وقف إطلاق النار بينهما. ومن المرجح أن تمارس إدارة الرئيس ترامب ضغوطا على البوليساريو والجزائر، من أجل التعامل بايجابية مع العملية التفاوضية المرتقبة في إطار القرار2797، تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة.

————————————————————————————————————–
(1)” قرار مجلس الأمن 2797 لسنة 2025 حول الصحراء الغربية “، العربي الجديد،31/10/2025.
https//acr.ps/1L9BPr7
(2) “مقترح البوليساريو محاولة لتجاوز تطورات قضية الصحراء المغربية، ومناورة إعلامية ومحاولة لإطالة أمد النزاع”، تصريح لجريدة كود الالكترونية الصادرة بتاريخ 23/10/2025.
www.goud.ma
(3)” مسعد بولس: المقترح المغربي للحكم الذاتي جاد وواقعي”، تصريح لقناة سكاي نيوز العربية بتاريخ 01/11/ 2025.
www.skynewsarabia.com
(4) ” مقتطفات من خطاب جلالة نصره الله وأيده بمناسبة عيد الوحدة “، جريدة هسبريس الالكترونية الصادرة بتاريخ 31/10/ 2025 .
https//:share.google/Rc3p8Pa6wLluRGH46
(5) ” المبعوث الشخصي للأمين العام للصحراء الغربية : قرار مجلس الأمن 2797 يحدد إطار عمل للتفاوض ولا ينص على النتيحة”، أخبار الأمم المتحدة الصادرة بتاريخ 05/11/2025 .
https://share.google/ql-lbjbOboBYbk8kfM
(6) ” الهمة والفاسي وعزيمان يترأسون لقاء مع الأحزاب السياسية حول تحيين مبادرة الحكم الذاتي”، جريدة لكم2 الالكترونية الصادرة بتاريخ 10/11/ 2025.
https://share.google/NeD9LpMeEmkkAupEc
(7) ‘’Western Sahara : Vote On q Draft Resolution Renewing MINURSO’s Mandate” Security Council Report;31/10/2025; accessed on 11/11/2025;at : https://acrps/1L9BPJF

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!