الصحراء واحد
تقرير ندوة “المهن القانونية والقضائية في ظل التحول الرقمي”
نظم منتدى دكاترة الصحراء بالسمارة والمحكمة الابتدائية بالسمارة والكلية متعددة التخصصات بالسمارة ندوة علمية حول موضوع: “المهن القانونية والقضائية في ظل التحول الرقمي”، بمناسبة الذكرى الخمسين لعيد المسيرة الخضراء المظفرة، والذكرى السبعين لعيد الاستقلال المجيد، وذلك يوم الأربعاء 26 نونبر 2025 ابتداءً من الساعة العاشرة صباحا بالكلية المتعددة التخصصات بالسمارة.
استهلت الندوة العلمية بتقديم الدكتور سيدي عبد الرحمان عوبا لفقرات هذا اللقاء العلمي المتميز ، الذي افتتح بآيات بينات من الذكر الحكيم تلاها الشيخ مصطفى بوحلا، تلا ذلك الاستماع للنشيد الوطني، عقب ذلك قدمت مداخلات لمنظمي الندوة العلمية بدأت بكلمة رئيس المحكمة الابتدائية بالسمارة الأستاذ التجاني أحمد الزاكي، ثم كلمة باسم الكلية المتعددة التخصصات بالسمارة قدمها نائب العميد الدكتور إبراهيم بن عبلا، بعدها تدخل الدكتور السالك كروم رئيس منتدى دكاترة الصحراء بالسمارة بكلمة باسم المنتدى، حيث رحبوا بالحضور الذي ترأسه عامل صاحب الجلالة على إقليم السمارة رفقة الوفد الرسمي المكون من شخصيات مدنية وعسكرية ومنتخبين وبرلمانيين ورؤساء الجماعات وشيوخ وأعيان، وفعاليات المجتمع المدني وإعلاميين، ودكاترة وباحثين وطلبة ومهتمين. وأشادوا بالقيمة العلمية لهذه الندوة، وراهنية المواضيع التي تطرحها.
وقد توزعت فعاليات الندوة العلمية إلى جلستين علميتين:
الجلسة العلمية الأولى: “المهن القانونية”، وقد قام بتسيير الجلسة الدكتور محمد حمو، وكان مقرر الجلسة: ذ. أبالشيخ أباحاج،
وكانت المداخلات وفق مايلي:
المداخلة الأولى: “رقمنة القضاء وتطوير وسائل عمله”. تقدم بها الأستاذ التجاني أحمد الزاكي رئيس المحكمة الابتدائية بالسمارة، إذ نـــبه من خـــــلالها على أهمية التعاطي مع التطور الرقمـي لــــــفائدة الـــمـــهـــــــــن القضائية؛ وذلك من أجل تجويد وتطوير عمل القضاء وتـــــحـــــــــســــــيــن وسائله وخدماته، استجابة لبرنامـــــــج إصــــــــــلاح العدالـــــــــــــــة ومــــواكــــبـــــــــــة لمخطط التحول الرقمي، لأن ذلك يسهم في مجموعة من الإجــــــــراءات المطلوبة، كتسهيل الولوج إلى العدالة، والوصول إلـــــى الـــمعلومـــــــات والبيانات الخاصة بالأفراد مع مراعاة حماية خصوصيتها، وكذلك الرفع من جودة الاجتهاد القضائي، ثم تقوية ثقة المواطنين في العدالة الرقمية. كما أشار في كلمته إلى انخراط المحكمة الابتدائية بالسمارة في العمل الرقمي من أجل الوصول إلى عمل رقمي متقن يسهل العمل القانوني والقضائي بالمحكمة، وذلك من خلال تحويل الوثائق الورقية إلى وثائق إلكترونية رقمية، والعمل على تجهيز المحكمة بمجموعة من البرامج والوسائل الإلكترونية والرقمية التي تساعد على تسهيل الخدمات القضائية؛ كاعتماد التحاكم بالتناظر المرئي في بعض الحالات التي تستوجب ذلك، وتحرير الأحكام القضائية إلكترونياً وغير ذلك من الخدمات الإلكترونية الأخرى التي تم العمل عليها.
المداخلة الثانية: ألقاها السيد نائـــــب وكـــيل الـملـك لـــدى الــمـحـكـمـــــــة الابتدائية بالســــمارة الأستاذ: أنس الحاجــــــي، نيابة عن السيد وكيل الملك بالــمـحـكـمـــــــة الابتدائية بالســــمارة، حيث أشار إلى أهمية اتخاذ مجموعة من الآليات الرقمية الحديثة في تطوير العمل القضائي والقانوني، وأن المحكمة الابتدائية بالسمارة يمكن أن توصف بكونها رقميةً بامتياز من حيث خدماتها وأشغالها، مسايرةً في ذلك التطور الرقمي المتسارع، كاعتماد الآليات الرقمية فيما يخص التقارير وتتبع الشهود وأحوال السجون وغيرها.
المداخلة الثالثة: “التحولات الرقمية في المجال القانوني والقضائي” للدكتورة زينب المحمودي، أستاذة محاضرة بالكلية متعددة التخصصات بالسمارة، عبرت من خلال كلمتها عن دور التكنولوجيا في المساعدة عـلـى اجتيــــــاز الكثيــر من العقبات والتعثرات القانــــــونيــة والقضائيـــة، مما أفرز استبدال الوثائق الورقية بالـوثـــائــق الرقميــــــة التـــــــي أصبحت ذات حجية منذ جائحة فيـروس كــورونا، كما نوَّهــت بسرعــــة استجابـة هـــــذيـن الـمجاليــن(القانوني والقضائي) لمواكبة التطور الرقمــــــــي وتجويد خـــدماتـــهما من خـــلال هـــــذه التــحــــولات الــــمعاصرة كــــــالتنــــاظـــر المرئي مع الشهود أو المتهمين في أثناء المحاكمات القضائية.
كما نبهت الدكتورة في كلمتها إلى مجموعة من القوانين والتدابير المواكب للتطور الرقمي، اتخذتها البلاد تسهيلا للخدمات وحفظا للمعلومات؛ كاتخاذ نظام الأداء الالكتروني بالنسبة للمحامين وصناديق الدفع وغيرهما، واعتماد التوقيع الالكتروني داخل المحاكم القضائية، وكذلك العمل على قانون الأمن السيبراني واللجنة الوطنية المكلفة بمراقبة المعطيات الشخصية، وقانون الحق في الوصول إلى المعلومة.
المداخلة الرابعة: “تأثير الرقمنة على الوسائل البديلة لتسوية المنازعات” للدكتور السالك كروم رئــــيس منــتدى دكــاترة الصـــحــراء بالســـمارة، وعــبر مـــــن خــلال كلمتـــــه عــــما شهدتـــه الوسائـــل البـــديــلة (الوساطــــة والصلح والتحكيم وغيرهم) من البدائل التي أثـــــرت رقمــيـاً فــــي جانب تسويـــة المنازعات، إذ أصبح التحكـيم الإلكترونـــي يـقوم مقام البدائل السابقة، واعتماده في الـمنازعات بين الـمتخاصمين، وكــــــــــــــذلك العمل بالــــوسائل الإلكترونية المتعلقة بالتحكيم الإلكتـــــــروني بسرعــة فائــقة عبــر شبــــكـــة الانترنيت، والبريد الإلكتروني الشخصي، وكذا استعمال الأدلة الالكترونية لفض النزاعات، وكل ذلك مع مراعاة السرية التامة حين الاطلاع على المعلومة وفق القن السري الذي يحفظ لكل معني حقه الشخصي في حفظ خصوصيته.
المداخلة الخامسة: “الرقمنة وإدارة العدالة: تجارب دولية مقارنة” للدكتور لحبيب النعيمي عضو منتدى دكاترة الصــــحــراء بــــــالـــسـمـــارة، وأبرز من خـــــــلالها الاهتمام الدولي بالرقمنة وإدارة العــــــدالة، في علاقته بالتمكين القانوني للأفراد والجماعات. كما تطرق الباحث للاطار المفاهيمي والعملي لكل من العدالة الالكترونية والعدالة الرقمية والعدالة المخصصة. وقـد بسط الدكــــــتـــــــــــور مــــــن خلال كلمته مقارنة بين مجموعة من التجارب الدولية ذات الصلة بالحق في الوصول الى العدالة عبر الرقمنة؛ كدولة سنغافورا والبرتغال والأرجنتين، بالإضافة الى تجربة نقابة المحامين الدوليين. ليختتم مداخلته بالتأكيد على أن رقمنة العدالة ليست بحدث ذاتها هدفا نهائيا عند وضع سياسات ادارة العدالة، بل لابد من تمكين المجتمع من امتلاك الأدوات والنهج الناجعة لممارسة الحق في الوصول الى العدالة والتقاضي وفق معايير حقوق الانسان.
المداخلة السادسة: “التحول الرقمي للعدالة وإشكالية التنبؤ القضائي الخوارزمي” للدكتور محمد الحسني، إطار بالـمنــــدوبية الإقليـــــمية لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية السمارة، تناول من خـــلالــها مدى ضرورة اعتماد التنبؤ الالكترونـــــــــي فـــــــــــــــي الــــجانب القضائـــي بالخصوص، الذي يقوم بتحليل المعطيات والبيانات الإلكترونية للوصول إلى الحلول القضائية، وهو ما ساعد في تقليص ازدحام المحاكم بالقضايا القضائية بشكل كبير كما هو معتاد في الماضي، ويضاف إلى ذلك من الجانب الإيجابي للعمل الخوارزمي كونه محايدا في إصدار الأحكام القضائية بدل الإنسان العاطفي في قراراته وأحكامه. وأشار في مداخلته إلى ضرورة مراعاة بعض الجوانب التي تدل على مخاطر التنبؤ الرقمي؛ كإلغاء وتعطيل دور القاضي الذي ينظر في أحوال المتخاصمين، وغموض الخوارزميات في طريقة عملها، وهو ما يستدعي التساؤل في مدى اعتماد أحكام الآلة الإلكترونية التي قد تصيب وتخطئ.
وقد كان موضوع الجلسة العلمية الثانية هو: “المهن القضائية”، وقد أشرف الدكتور محمد الدحمي على تسييرها، وكان الأستاذ لحبيب الرتباني مقررا لها.
وقد تمت المداخلات على الشكل التالي :
المداخلة الأولى: “رسالة المحاماة والرقمنة، آفاق وتحديات”، للأستاذ سيدي محمد سالم حماد، حيث أكد الأستاذ في ورقته العلمية على أهمية الرقمنة في عصرنا الحالي، والتي تهدف إلى الانتقال في طريقة الاشتغال في مجال المحاماة من التقليدي الاعتيادي إلى التكنولوجي الرقمي، والذي لا يمكن أن يتم إلا باعتماد تكوين مستمر للأطر المستخدِمة للرقمنة، وبتجهيز مكاتب تليق بهذه الخدمة، لتنزيل جميع الإجراءات القضائية، مما يؤدي إلى خلق تواصل فعال بين هيئات القضاء والمحاماة، عن طريق إعداد قاعدة بيانات تكون مرجعا للجميع في مختلف النوازل، مشيرا إلى نجاح هذه التجربة على الصعيد الوطني في هيئة المحاماة بالدار البيضاء.
المداخلة الثانية: “مداخل رقمنة مرفق التوثيق العدلي”، تقدم بها الدكتور محمد فاضل باني، فقد أبرز في مداخلته الأهمية البالغة التي تكتسيها مهنة العدول، باعتبارها إحدى المهن القضائية التي تهدف بالأساس إلى توثيق العقود قبل التوجه بها نحو القضاء، مشيرا كذلك إلى أهمية الرقمنة في هذا المجال، حيث إن آخر المستجدات والتطورات في الرقمنة داخل وزارة العدل انصبت على إعداد بيانات ومعطيات الحالة المدنية، ويُقصد بتوثيق العقود رقميا الانتقال بها من التحرير اليدوي المكتوب في الأوراق إلى عقود موثقة إلكترونيا، كما أتاحت الوزارة إمكانية الولوج إلى المنصة الخاصة بالضرائب، خصوصا فيما يتعلق بالعقود التي تستوجب التسجيل، كما أنها أطلقت مجموعة من المنصات والبرامج التي تواكب تطورات الذكاء الاصطناعي، وأوصى الدكتور بضرورة إحداث برنامج وإنشاء منصة إلكترونية خاصين بالعدول، من أجل حفظ البيانات في جو مهني يسوده الائتمان والسرية داخل فضاء ملائم للعمل.
المداخلة الثالثة: “المفوض القضائي ورقمنة الإدارة”،
للأستاذان: ذ. حسنا لبير،و ذ. مصطفى الحميدي، حيث تمت الإشارة في ورقتهما العلمية المشتركة إلى موضوع المهن القضائية، لما لها من الأهمية بمكان في وزارة العدل، باعتبارها من المهن المساعدة للقضاء، من أجل إحقاق الحقوق لأصحابها، مما يحتم عليها هي الأخرى عدم الركون بمعزل عن الذكاء الاصطناعي، فالرقمنة الخاصة بالمفوض القضائي ستسهل عليه إجراء المعاينة للنوازل القانونية وتبليغ الأحكام القضائية، وقد أكد الأستاذان على ضرورة إنشاء منصة قانونية خاصة بالمفوضين القضائيين، للاطلاع على الاستدعاءات في إطار تتبع المسطرة القانونية قبل تنفيذ الأحكام القضائية.
المداخلة الرابعة: “الترجمة وتحديات التحول الرقمي”، تقدمت بها الأستاذة: احجبوها بريكة. إذ أشادت في مداخلتها بالدور المهم الذي يلعبه الترجمان المحلف في خطة القضاء، حيث يشكل جسرا حقيقيا للتواصل يربط بين جميع حلقات القضايا الحكمية، مشيرة إلى ضرورة إحداث هيئة خاصة بالتراجمة، مع الحفاظ على سرية النوازل وضمان الجودة، كما عرضت الأستاذة كرونولوجيا تاريخية في هذا الباب، حيث في القديم كان عمل المترجم قاصرا على الورقة والقلم، ثم تبعه عصر الحاسوب، وحاليا تحولت قواميس القضاء إلى الذكاء الاصطناعي مراعية في ذلك السياق والتدقيق والإحكام في نقل الشهادة على أصلها، ومن التحديات التي تواجه المترجمين عدم وجود معجم قضائي موحد إضافة إلى اختلاف النُّظم القضائية من دولة إلى أخرى، وقد أجابت الأستاذة عن سؤال مهم يطرح نفسه بقوة في معرض الحاجة، وهو هل سيعوض الذكاء الاصطناعي عمل المترجمين؟ مشيرة إلى المسؤولية الأخلاقية التي تقتضي أن الخطأ الواحد قد يؤدي إلى ضياع الحقوق، فقواعد البيانات يمكن تسريبها في ضرب صارخ لسرية المعلومات الشخصية، بينما في الجانب الآخر يتوجب على المترجم أن تتوفر فيه خصلتا الأمانة والسرية.
المداخلة الخامسة: “علاقة التحول الرقمي بمهنة المحاسب المعتمد”، للدكتور الصالح إسماعيلي، تطرق في ورقته العلمية للقانون المنظم لمهنة المحاسب المعتمد، حيث ذكر الأعمال المهنية التي يزاولها المحاسب المعتمد، مشيرا إلى ضرورة تقيده بالشروط المدرجة في جدول المحاسبين المعتمدين في القسم الثاني من هذا القانون، كما بين كذلك طرق مزاولة مهنة المحاسب المعتمد، وعرج على الواجبات المفروضة على المحاسبين المعتمدين، الذين بدورهم انخرطوا في الهَبَّة الرقمية التي فرضها الذكاء الاصطناعي، مُوضحا التأثير الإيجابي للتحول الرقمي على مهنة المحاسب المعتمد، حيث إن المنصة الرقمية خففت الضغط على المحاسبين المعتمدين، ويسرت لهم سبل الحصول على السجلات التجارية، باعتماد مقاربة تشاركية مع المحكمة وإدارة الضرائب.
وانتهت الجلستان العلميتان بفتح باب المداخلات للحضور، حيث أشادوا بالمستوى العالي والرفيع للمواضيع والإشكالات التي أثارتها الندوة العلمية، وبالقيمة العلمية للمشاركين في الجلسات العلمية. وكان مسك الختام تقديم شواهد المشاركة والتقدير للمشاركين والمنظمين.









