الملكية وبوصلة الإعتراف الدولي بمغربية الصحراء

مدير الموقع21 أغسطس 2022آخر تحديث :
الملكية وبوصلة الإعتراف الدولي بمغربية الصحراء

الصحراء واحد

الملكية وبوصلة الإعتراف الدولي بمغربية الصحراء

بقلم : إبراهيم بلالي اسويح

عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية.

رسمت مضامين الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى التاسعة والستون لثورة الملك والشعب، معالم حصيلة عشرية اخيرة في التعاطي المحمود والمثمر لقضية الوحدة الترابية، وهو ما يمكن اعتباره نقطة تحول جوهرية للدبلوماسية الملكية التي اضحت اساس دينامية المواقف العلنية المؤيدة لسيادة المغرب على صحراءه، والتي يتم التعبير عنها على المستويين الاقليمي والدولي.
كما ان الخطاب كذلك مترابط وبشكل موازي تطرق الى اهمية تعزيز وحدة الجبهة الداخلية، والدعوة الى مواصلة التعبئة لكل المغاربة داخليا وخارجيا صونا للمكتسبات التي تحققت.
الرؤية الملكية تتمحور حول ما تتطلبه هذه المرحلة الدقيقة التي يمر منها العالم، وذلك الدور المتنامي للعمق الاستراتيجي الذي أصبح المغرب يلعبه.
المغرب اصبح يراهن على لغة المصالح القائمة كمعيار اساسي لتقييم أي قرار تتخذه مختلف العواصم العالمية في الوقت الراهن، وهو ما يعني ان المغرب في تقييمه الدبلوماسي، لم يعد يريد ان يبقى اسيرا للدبلوماسية السرية ،كان السياق السابق قد فرضها مع حلفاءه التقليديين، كما لم تعد هناك ثمة رغبة في مجاراة حلفاء جدد محتملين بالمثل .
دافعه في ذلك كون هذا التبادل الدبلوماسي تغيب فيه المكاشفة، وتكون معاملاته عرضة للابتزاز والمساومة الدائمين حول نزاع أرهق جهود العالم دون حل في الافق.
الجرد التسلسلي خلال هذا الخطاب لجملة المكاسب التي حققتها الدبلوماسية الملكية في ظرف زمني قياسي ، بدءا بالاعتراف المحفز للولايات المتحدة الأمريكية والذي برهن على ثباته في وجه متغير سدة حكمها مرورا بالتأييد المتنامي لقوى اوروبية وازنة، ودول من مختلف أرجاء إفريقيا واخرى بأمريكا اللاتينية ، ومنطقة الكاريبي، ترجمه ميدانيا وجود ثلاثين قنصلية موزعة بين مدينتي العيون والداخلة، وصولا الى الاعتراف المدوي الرسمي الإسباني وهو ما أعطى زخما قويا في معركة إثبات سيادة المغرب على اقليم الصحراء المستعمرة الإسبانية سابقا وما لذلك من ابعاد تاريخية وقانونية تعزز مشروعية مطالب المملكة.
كل هذا وذاك ينم عن التفسير بكون المغرب بلد مستقل في قراره، وانه انتهج استراتيجية جديدة في علاقاته بالقوى الكبرى، بحثا عن موقع جديد في عالم متعدد الاقطاب.
ان حرص المغرب على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع حلفاءه التقليديين، لم يمنعه من التوجه نحو تنويع شراكاته الاستراتيجية، كما أنه أيضا ليس بمنأى عن التحديات السياسية والامنية والدبلوماسية الجسيمة والحاسمة، التي تعني مصير قضية الصحراء المغربية.
فبالإضافة الى التهديدات المتتالية لزعزعة استقرار كامل المنطقة المغاربية، ينضاف في الحسبان العودة الانية لدبلوماسية النفط والغاز للواجهة، والتي من المرجح ان تستعملها الجارة الشرقية كورقة للمساومة واستمالة مواقف دول اوروبية وغير اوروبية ضدا على الوحدة الترابية للمملكة، علما ان اهتماما اوروبيا متزايدا بالغاز الجزائري الذي يشكل سيناريو محتمل لتفادي ازمة الغاز المرتقبة هذا الشتاء، وتداعياتها العسيرة على اقتصاد ووضع الاوروبيين.
تجليات هذا التوجه الملكي، ما فتئت تعكسه وثيرة تقوية الشراكات القطبية من خلال بروتوكولات التعاون الاقتصادي والصناعي وكذا الامني والدفاع الاستراتيجي، جعلت من ذلك قاعدة برغماتية تؤطر السياسة الخارجية للمملكة الشريفة، وربما كان ذلك من وراء التأييد الواسع للمشروع الوحدوي المغربي.
بات يقينا ، ان تفعيل هكذا نوع من المبادرات بطابعيها الاقليمي والدولي، ذات الاهتمام المشترك، وبمنطق رابح لرابح، سمة تحرك هذه الدبلوماسية في الآونة الأخيرة ،لتشمل مختلف الفاعلين والقوى الحية على امتداد الأركان الأربعة للمعمور انطلاقا من فهم عميق لطبيعة المتغير السياسي والاقتصادي الاستراتيجي للتنافسية العالمية ،وتأثيرها المحتمل على التوازن الدولي، وهو المنحى الذي سلكت سبيله المملكة عبر انفتاح غير مسبوق على التنين الصيني لما يمثله من وزن اقتصادي عالمي ،والذي لا يرى العالم الا من خلال هذه النظارة، بإنشاء شراكة استراتيجية بين البلدين، ينضاف الى ذلك مكانته كدولة دائمة العضوية بمجلس الامن ،ولاعبا وازنا في التجاذبات السياسية الدولية، خاصة ان موقفه من ملف نزاع الصحراء المغربية قد يصبح اكثر انسجاما مع المبادرة المغربية، بعد الموقف الثابت والمسؤول للمملكة للحفاظ على سلامة ووحدة وامن الأراضي الصينية، بعد التصعيد الذي عرفته ازمة تايوان مؤخرا.

مكاسب الانفتاح المتبصر لهذه الدبلوماسية الملكية، يقودها بسعي حثيث لتعميق الشراكة الاستراتيجية مع روسيا الفدرالية، ارهاصاتها جاءت في البيان المشترك للبلدين، وهي مؤشرات ايجابية في اختراق قد ينجم عنه استمالة صناع القرار في الكرملين لمسلك أكثر نضجا وتفهما لنزاع الصحراء المغربية، او على الاقل صمان حياد ايجابي لروسيا بدعم حل سياسي متوافق عليه برعاية اممية.
مواقف الدول تصنعها عموما المصالح أولا، ويبقى الرهان مستمرا على تعزيز ما تحقق على هذا الصعيد من مكاسب وانتصارات، يقوي فرض الاستمرار في تبني هذه الدبلوماسية الهجومية الهادفة، والتي لن يشتد عودها كما ورد في الخطاب الا بتقوية الجبهة الداخلية، وتعبئة مغاربة العالم بكل شرائحهم واطيافهم، بما في ذلك اليهود المغاربة.
الواقع، ما تحقق للدبلوماسية المغربية من اشعاع مرده للدور المحوري للملك، تجلى في مراجعة جذرية لضوابط اللعبة الدبلوماسية الدولية، مما جعلها تسير بالسرعة القصوى، اصبحت معها باقي اجنحة الفعل السياسي والدبلوماسي الوطني مطالبة بمراجعة استراتيجياتها وتعميق إصلاحها سواء أكانت حكومية ام برلمانية او حزبية ثم مدنية.
ولعل الإشادة الاستثنائية لجلالة الملك بمغاربة العالم لا تخرج عن هذا السياق في تعزيز متطلبات الاستقبال والاستثمار التي تتناسب مع هذا الطموح الجديد للمملكة.
لقد سعى المغرب طوال عقود اربعة ماضية الى تطبيق خطة طموحة لتحقيق تنمية اقاليمه الجنوبية بمستوى مواز لمستوى الانماء الوطني، وهو ما نجح فيه الى حد كبير بربط التنمية بالاستقرار والتسوية السياسية النهائية للنزاع وها هي اليوم شروط استكمال نضج المقترح المغربي اكتملت على المستوى الخارجي بالترحيب الدولي الواسع، يوازيها داخليا حث جلالة الملك على اصلاح مؤسساتي قادر على استيعاب التحديات الراهنة والمستقبلية التي تواجه استقرار وسلامة المغرب.

الاخبار العاجلة